الله ليدفع بالمسلم الصالح عن ألف بيت من جيرانه البلاء، ثمّ قرأ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ
«١» الآية.
وقال أبو بكر السفاح لأبي بكر الهذلي: بم بلغ الحسن ما بلغ قال: جمع كتاب الله تعالى وهو ابن اثنتي عشرة سنة لم يجاوز سورة إلى غيرها حتى يعرف تأويلها، ولم يقلب درهما قط في تجارة ولم يل عملا لسلطان ولم يأمر بشيء حتى يفعله ولم ينه عن شيء حتى يدعه، قال السفاح: بهذا بلغ.
وقال الجاحظ: كان الحسن يستثنى من كل غاية فيقال فلان أزهد الناس إلا الحسن وأفقه الناس إلا الحسن وأفصح الناس إلا الحسن وأخطب الناس إلا الحسن.
وقال بعضهم: كان عمر بن عبد العزيز أزهد من أويس لأن عمر ملك الدنيا فزهد فيها وأويس لم يملكها، فقيل:
لو ملكها لفعل كما فعل عمر فقال: ليس من لم يجرب كمن جرب.
وقال أنس في ثابت البناني: إن للخير مفاتيح وإن ثابتا من مفاتيح الخير. وكان حبيب الفارسي من أخيار الناس وهو الذي اشترى نفسه من ربه أربع مرات بأربعين ألفا، كان يخرج البدرة فيقول: يا رب اشتريت نفسي منك بهذه ثم يتصدق بها.
وكان أيوب السختياني من أزهد الناس وأورعهم، ذكر عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى فقال: رحم الله أيوب لقد شهدت منه مقاما عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم لا أذكر ذلك المقام إلا اقشعر جلدي.
وقال سفيان الثوري: جهدت جهدي على أن أكون في السنة ثلاثة أيام على ما عليه ابن المبارك فلم أقدر.
وكان الخليل بن أحمد النحوي من أزهد الناس وأعلاهم نفسا وكان الملوك يقصدونه ويبذلون له الأموال فلا يقبل منها شيئا، وكان يحج سنة ويغزو سنة حتى مات رحمه الله.
وقال ابن خارجة: جالست ابن عون عشرين سنة فما أظن الملكين كتبا عليه شيئا، وروى أنه غسل كرز بن وبرة فلم يوجد على جسده مثقال لحم.
وعن محمد بن الحسن «٢» قال: كان أبو حنيفة واحد زمانه، لو انشقت عنه الأرض لانشقت عن جبل من الجبال في العلم والكرم والزهد والورع.
وحج وكيع بن الجراح أربعين حجة ورابط في عبادان أربعين ليلة وختم بها القرآن أربعين ختمة وتصدق بأربعين ألفا وروى أربعة آلاف حديث، وما رؤي واضعا جنبه قط.
ووقف عمر بن عبد العزيز على عطاء بن أبي رباح وهو أسود مفلفل الشعر، يفتي الناس في الحلال والحرام فتمثل يقول: تلك المكارم لا قعبان من لبن «٣» .
ومن مشايخ الرسالة رضوان الله عليهم أجمعين سيدي أبو عبد الله محمد بن إسماعيل المغربي أستاذ إبراهيم بن شيبان، كان عجيب الشأن لم يأكل مما وصلت إليه أيدي بني آدم سنين كثيرة وكان أكله من أصول العشب شيئا تعود أكله.
ومنهم سيدي فتح بن شحرف بن داود: يكنى أبا نصر من الزاهدين الورعين، لم يأكل الخبز ثلاثين سنة، قال أحمد بن عبد الجبار: سمعت أبي يقول: صحبت فتح بن شحرف ثلاثين سنة فلم أره رفع رأسه إلى السماء، ثم رفعها يوما فقال: طال شوقي إليك فعجّل قدومي عليك.
وقال محمد بن جعفر: سمعت إنسانا يقول غسلنا فتح بن شحرف فرأينا مكتوبا على فخذه لا إله إلا الله فتوهمناه مكتوبا وإذا هو عرق داخل الجلد، ومات ببغداد فصلّي عليه ثلاثا وثلاثين مرة أقل قوم كانوا يصلون عليه كانوا نحو من خمسة وعشرين ألفا إلى ثلاثين ألفا.
ومنهم سيدي فتح بن سعيد الموصلي: يكنى أبا نصر من أقران بشر الحافي وسري السقطي كبير الشأن في باب الورع والمجاهدات. قال إبراهيم بن نوح الموصلي:
رجع فتح الموصلي إلى أهله بعد صلاة العتمة وكان صائما فقال: عشوني فقالوا: ما عندنا شيء نعشيك به، فقال: ما بالكم جلوس في الظلمة؟ فقالوا: ما عندنا شيء نسرج به، فجعل يبكي من الفرح ويقول: إلهي مثلي يترك بلا عشاء ولا سراج بأي يد كانت مني، فما زال يبكي إلى الصباح.
وقال فتح: رأيت بالبادية غلاما لم يبلغ الحلم وهو يمشي وحده ويحرك شفتيه فسلمت عليه فرد علي السلام، فقلت: إلى أين؟ فقال: إلى بيت ربي عز وجل فقلت:
بماذا تحرك شفتيك؟ قال أتلو كلام ربي، فقلت: إنه لم يجر عليك قلم التكليف؟ قال: رأيت الموت يأخذ من هو