للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أصغر سنا مني، فقلت: خطاك قصيرة وطريقك بعيدة، فقال: إنما علي نقل الخطا وعليه البلاغ، فقلت: أين الزاد والراحلة؟ قال: زادي يقيني وراحلتي رجلاي، فقلت:

أسألك عن الخبز والماء، قال: يا عماه أرأيت لو دعاك مخلوق إلى منزله أكان يجمل بك أن تحمل زادك إلى منزله، قلت: لا، فقال: إن سيدي دعا عباده إلى بيته وأذن لهم في زيارته فحملهم ضعف يقينهم على حمل أزوادهم وإني استقبحت ذلك فحفظت الأدب معه، أفتراه يضيعني؟

فقلت: حاشا وكلا ثم غاب عن بصري فلم أره إلا بمكة فلما رآني قال: أيها الشيخ بعدك على ذلك الضعف من اليقين؟

ومنهم سيدي أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري:

صحب شاه الكرماني ويحيى بن معاذ الرازي وكان يقال:

في الدنيا ثلاثة لا رابع لهم، أبو عثمان الحيري بنيسابور والجنيد ببغداد وأبو عبد الله الحلاج بالشام، ومن كلامه:

لا يكمل الرجل حتى يستوي في قلبه أربعة أشياء: المنع والعطاء والعز والذل، وقال: منذ أربعين سنة ما أقامني الله تعالى في حال فكرهته، ولا نقلني إلى شيء فسخطته.

ومنهم سيدي سليمان الخواص: يكنى أبا تراب كان أحد الزهاد المعروفين والعباد الموصوفين سكن الشام ودخل بيروت وكان أكثر مقامه بيت المقدس. قيل:

اجتمع حذيفة المرعشي وإبراهيم بن أدهم ويوسف بن أسباط فتذاكروا الفقر والغنى وسليمان ساكت، فقال بعضهم: الغني من كان له بيت يسكنه وثوب يستره وسداد من عيش يكفه عن فضول الدنيا، وقال بعضهم: الغني من لم يحتج إلى الناس. فقيل لسليمان: ما تقول أنت في ذلك فبكى وقال: رأيت جوامع الغنى في التوكل ورأيت جوامع الفقر في القنوط «١» والغنى حق الغنى من أسكن الله في قلبه من غناه يقينا ومن معرفته توكلا، ومن قسمته رضا فذلك الغني حق الغنى وإن أمسى طاويا «٢» وأصبح معوزا «٣» فبكى القوم من كلامه.

ومنهم سيدي أبو سليمان بن عبد الرحمن بن أحمد بن عطية الداراني: أحد رجال الطريقة قدس الله سره، كان من أجل السادات وأرباب الجد في المجاهدات. ومن كلامه:

من أحسن في نهاره كفي في ليله ومن أحسن في ليله كفي في نهاره، ومن صدق في ترك شهوة ذهب الله بها من قلبه، والله تعالى أكرم من أن يعذب قلبا بشهوة تركت له، وقال: لكل شيء علامة وعلامة الخذلان ترك البكاء، وقال: لكل شيء صدأ وصدأ نور القلب شبع البطن. وقال أحمد بن أبي الحواري: شكوت إلى أبي سليمان الوسواس فقال: إذا أردت أن ينقطع عنك فأي وقت أحسست به فافرح فإنك إذا فرحت به انقطع عنك لأنه لا شيء أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن، وإذا اغتممت به زادك. وقال ذو النون المصري رحمه الله تعالى:

اجتمعوا ليلا على أبي سليمان الداراني فسمعوه يقول:

يا رب إن طالبتني بسريرتي طالبتك بتوحيدك، وإن طالبتني بذنوبي طالبتك بكرمك، وإن جعلتني من أهل النار أخبرت أهل النار بحبي إياك.

وقال علي بن الحسين الحداد: سألت أبا سليمان بأي شيء تعرف الأبرار؟ قال: بكتمان المصائب وصيانة الكرامات.

وروي عنه أن قال: نمت ليلة عن وردي فإذا حوراء تقول لي: أو تنام وأنا أربّى لك في الخدور منذ خمسمائة عام.

ومنهم سيدي أبو محمد عبد الله بن حنيف: من زهاد المتصوفة كوفي الأصل ولكنه سكن انطاكية. ومن كلامه:

لا تغتم إلا من شيء يضرك غدا ولا تفرح إلا بشيء يسرك غدا، وله كرامات ظاهرة وبركات متواترة.

ومنهم سيدي أبو عبد الله محمد بن يوسف البناء:

أصبهاني الأصل كتب عن ستمائة شيخ ثم غلب عليه الانفراد والخلوة إلى أن خرج إلى مكة بشرط التصوف وقطع البادية على التجريد، وكان في ابتداء أمره يكسب في كل يوم ثلاثة دراهم وثلثا فيأخذ من ذلك لنفسه دانقا ويتصدق بالباقي، ويختم مع العمل كل يوم ختمة فإذا صلى العتمة في مسجده خرج إلى الجبل إلى قريب الصبح ثم يرجع إلى العمل، وكان يقول في الجبل: يا رب إما أن تهب لي معرفتك أو تأمر الجبل أن ينطبق علي فإني لا أريد الحياة بلا معرفتك.

ومنهم سيدي يحيى بن معاذ الرازي قدس الله سره يكنى أبا زكرياء أحد رجال الطريق كان أوحد وقته، ومن كلامه:

لا تكن ممن يفضحه يوم موته ميراثه، ويوم حشره ميزانه، وقال: ليكن حظ المؤمن منك ثلاث خصال: إن لم تنفعه فلا تضره وإن لم تسره فلا تغمه وإن لم تمدحه فلا تذمه،

<<  <   >  >>