للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال: الصبر على الخلوة من علامات الإخلاص، وقال:

بئس الصديق صديقا يحتاج إلى أن يقال له إذكرني في دعائك، وقال: على قدر حبك لله يحبك الخلق وعلى قدر خوفك من الله تهابك الخلق وعلى قدر شغلك بالله تشتغل في أمرك الخلق، وقال: من كان غناه في كيسه لم يزل فقيرا، ومن كان غناه في قلبه لم يزل غنيا، ومن قصد بحوائجه المخلوقين لم يزل محروما.

وروي أنه قدم شيرازا فجعل يتكلم على الناس في علم الأسرار، فأتته امرأة من نسائها فقالت: كم تأخذ من هذه البلدة؟ قال: ثلاثون ألفا أصرفها في دين علي بخراسان، فقالت: لك علي ذلك على أن تأخذها وتخرج من ساعتك فرضي بذلك فحملت إليه المال فخرج من الغد فعوتبت تلك المرأة فيما فعلت فقالت: إنه كان يظهر أسرار أولياء الله تعالى للسوقة والعامة فغرت على ذلك.

ومنهم سيدي يوسف بن الحسين الرازي: يكنى أبا يعقوب كان وحيد وقته في إسقاط التصنع، عالما أديبا صحب ذا النون المصري وأبا تراب النخشبي. من كلامه:

إذا أردت أن تعلم العاقل من الأحمق فحدثه بالمحال فإن قبل فاعلم أنه أحمق. وقال: إذا رأيت المريد يشتغل بالرخص فاعلم أنه لا يجيء منه شيء، وقال: لأن ألقى الله تعالى بجميع المعاصي أحب من أن ألقاه بذرة من التصنع، وقال أبو الحسن الدارج: قصدت زيارة ابن الرازي من بغداد فلما دخلت بلده سألت عن منزله فكل من سألته يقول: أي شيء تريد من هذا الزنديق فضيقوا صدري حتى عزمت على الانصراف، فبت تلك الليلة في مسجد ثم قلت في نفسي: جئت هذه البلدة فلا أقل من زيارته فلم أزل أسأل عنه حتى وصلت إلى مسجده فوجدته جالسا في المحراب وبين يديه مصحف يقرأ فيه فدنوت منه وسلمت عليه فرد علي السلام وقال: من أين؟ قلت: من بغداد، فقال: أتحسن من قولهم شيئا؟ قلت: نعم، وأنشدته:

رأيتك تبني دائما في قطيعتي ... ولو كنت ذا حزم لهدّمت ما تبني

فأطبق المصحف ولم يزل يبكي حتى ابتلت لحيته وثوبه ورحمته من كثرة بكائه ثم التفت إلي وقال: يا بني أتلوم أهل البلد على قولهم يوسف بن الحسين زنديق وها أناذا من وقت صلاة الصبح أقرأ القرآن ولم تقطر من عيني قطرة وقد قامت علي القيامة بهذا البيت.

ومنهم سيدي حاتم بن علوان الأصم قدس الله سره: يكنى أبا عبد الرحمن من أكابر مشايخ خراسان صاحب شقيق البلخي، ومن كلامه: إلزم خدمة مولاك تأتك الدنيا راغمة والآخرة راغبة، وقال: من ادعى ثلاثا بغير ثلاث فهو كذاب، من ادعى حب الله تعالى من غير ورع عن محارمه فهو كذاب، ومن ادعى محبة النبي صلى الله عليه وسلم من غير محبة الفقر فهو كذاب، ومن ادعى حب الجنة من غير إنفاق ماله فهو كذاب. وسأله رجل: علام بنيت أمرك في التوكل على الله عز وجل قال: على أربع خصال: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت به نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتيني بغتة فأنا أبادره، وعلمت أني لا أخلو من عين الله عز وجل حيث كنت فأنا أستحي منه.

وسبب تسميته بالأصم ما حكاه أبو علي الدقاق أن امرأة جاءت تسأله عن مسألة، فاتفق أنه خرج منها صوت ريح فخجلت المرأة، فقال حاتم: ارفعي صوتك وأراها أنه أصم فسرت المرأة بذلك وقالت: إنه لم يسمع الصوت، فغلب عليه هذا الاسم رحمة الله تعالى عليه.

ومنهم الحسن بن أحمد الكاتب: من كبار مشايخ المصريين صحب أبا بكر المصري وأبا علي الروذباري وكان أوحد مشايخ وقته، من كلامه: روائح نسيم المحبة تفوح من المحبين وإن كتموها وتظهر عليهم دلائلها وإن أخفوها وتدل عليهم وإن ستروها، وأنشدوا في هذا المعنى:

إذا ما أسرّت أنفس الناس ذكره ... تبيّنه فيهم ولم يتكلموا

تطيب به أنفاسهم فتذيعها ... وهل سرّ مسك أودع الريح يكتم

ومن كلامه أيضا: إذا انقطع العبد إلى الله تعالى بالكلية، فأول ما يفيده الاستغناء عن الناس. وقال: صحبة الفساق داء ودواؤها مفارقتهم، وقال: إذا سكن الخوف في القلب لا ينطق اللسان بما لا يعنيه.

ومنهم سيدي جعفر بن نصر الخلدي: يكنى بأبي محمد، بغدادي المنشأ والمولد، صحب الجنيد وانتمى إليه وحج قريبا من ستين حجة، روي أنه مر بمقبرة الشونيزية وامرأة على قبر تندب وتبكي بكاء بحرقة، فقال لها: ما لك تبكين؟ فقالت: ثكلى ولدي، فأنشأ يقول:

يقولون ثكلى ومن لم يذق ... فراق الأحبّة لم يثكل

<<  <   >  >>