للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما حاله، وروي أن امرأة جاءت إلى أحمد بن حنبل تسأله، فقالت: إني امرأة أغزل بالليل والنهار، وأبيعه ولا أبين غزل الليل من غزل النهار، فهل على ذلك شيء؟ فقال:

يجب أن تبيني، فلما انصرفت قال أحمد لابنه: اذهب، فانظر أين تدخل، فرجع، فقال: دخلت دار بشر، فقال:

قد عجبت أن تكون هذه السائلة من غير بيت بشر. ولما مرض مرضه الذي مات فيه قال له أهله: نرفع ماءك إلى الطبيب قال: أنا بعين الطبيب يفعل بي ما يريد، فألحوا عليه، فقال لأخته: ادفعي إليهم الماء فدفعته إليهم في قارورة، وكان بالقرب منهم طبيب نصراني، فدفعوا إليه القارورة، فقال: حركوا الماء، فحركوه، فقال: ضعوه فوضعوه، فقالوا له: ما بهذا وصفت لنا. قال: وبماذا وصفت لكم؟ قالوا: وصفت بأنك أحذق أهل زمانك في الطب، قال: هو كما وصفت لكم إن هذا الماء إن كان ماء نصراني، فهو ماء راهب قد فتت الخوف كبده وإن كان ماء مسلم، فماء بشر الحافي لأن ما في زمانه أخوف منه، قالوا: هو ماء بشر، فقال: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله. فلما رجعوا إلى بشر قال لهم: أسلم الطبيب. قالوا له: ومن أعلمك بهذا؟ قال: لما خرجتم من عندي نوديت يا بشر ببركة مائك أسلم الطبيب. توفي سنة سبع وعشرين ومائتين.

ومنهم سيدي أبو زيد طيغور بن عيسى البسطامي: من أجلّ المشايخ كبير الشأن، ومن كلامه: ما زلت أسوق إلى الله تعالى نفسي وهي تبكي إلى أن سقتها وهي تضحك.

وسئل: بأي شيء وجدت هذه المعرفة؟ فقال: ببطن جائع وبدن عار، وقيل له: ما أشد ما لقيت في سبيل الله تعالى؟

فقال: لا يمكن وصفه، فقيل له: ما أهون ما لقيته نفسك منك؟ فقال: أما هذا فنعم دعوتها إلى شيء من الطاعات، فلم تجبني، فمنعتها الماء سنة، وقال: الناس كلهم يهربون من الحساب، ويتجافون عنه، وأنا أسأل الله تعالى أن يحاسبني، فقيل له: لم؟ فقال لعله يقول فيما بين ذلك يا عبدي، فأقول لبيك، فقوله لي عبدي أحب إليّ من الدنيا وما فيها، ثم بعد ذلك يفعل بي ما يشاء. وقال له رجل: دلني على عمل أتقرب به إلى ربي، فقال: أحب أولياء الله ليحبوك فإن الله تعالى ينظر إلى قلوب أوليائه، فلعله ينظر إلى إسمك في قلب وليّ، فيغفر لك. وسئل عن المحبة، فقال: استقلال الكثير من نفسك واستكثار القليل من حبيبك. توفي سنة إحدى وستين ومائتين رحمه الله تعالى. ومنهم شيخ الطائفة سيدي أبو القاسم الجنيد بن محمد القواريري: شيخ وقته وفريد عصره، أصله من نهاوند ومولده ومنشؤه ببغداد صحب جماعة من المشايخ، وصحب خاله السري، والحارث المحاسبي ودرس الفقه على أبي ثور، وكان يفتي في مجلسه بحضرته وهو ابن عشرين سنة. ومن كلامه رضي الله عنه: علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يشغله بما لا يعنيه، وقال: الأدب أدبان: أدب السر وأدب العلانية، فأدب السر طهارة القلوب، وأدب العلانية حفظ الجوارح من الذنوب.

ورؤي في يده يوما سبحة، فقيل له: أنت مع تمكنك وشرفك تأخذ بيدك سبحة؟ فقال: نعم سبب وصلنا به إلى ما وصلنا لا نتركه أبدا. وقال حسن بن محمد السراج:

سمعت الجنيد يقول: رأيت إبليس في منامي، وكأنه عريان، فقلت له: ألا تستحي من الناس؟ فقال: بالله هؤلاء عندك من الناس لو كانوا من الناس ما تلاعبت بهم كما يتلاعب الصبيان بالكرة، ولكن الناس عندي ثلاثة نفر: فقلت: ومن هم؟ قال: في مسجد الشونيزي قد أضنوا قلبي وأنحلوا جسمي كلما هممت بهم أشاروا إلى الله عز وجل، فأكاد أن أحرق، قال الجنيد: فانتبهت من نومي، ولبست ثيابي وجئت إلى مسجد الشونيزي بليل، فلما دخلت أخرج أحدهم رأسه وقال: يا أبا القاسم أنت كلما قيل لك شيء تقبل. قيل: إن الثلاثة الذين كانوا في مسجد الشونيزي أبو حمزة، وأبو الحسن الثوري، وأبو بكر الدقاق رضي الله عنهم، وقال محمد بن قاسم الفارسي: بات الجنيد ليلة العيد في الموضع الذي كان يعتاده في البرية، فإذا هو وقت السحر بشاب ملتف في عباءة وهو يبكي ويقول:

بحرمة غربتي كم ذا الصدود ... ألا تحنوا عليّ ألا تجودوا

سرور العيد قد عمّ النواحي ... وحزني في ازدياد لا يبيد

فإن كنت اقترفت خلال سوء ... فعذري في الهوى أن لا أعود

توفي الجنيد رحمه الله تعالى سنة سبع وتسعين ومائتين ببغداد وصلى عليه نحو ستين ألفا رضوان الله عليهم أجمعين. وممن صحبته وانتفعت بصحبته وفاضت الخيرات عليّ ببركته سيدي الشيخ الإمام العالم العامل أبو المعالي وأبو الصدق أبو بكر بن عمر الطريني المالكي

<<  <   >  >>