للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: إنك لم تبق عزبا. فلما رجعت إلى منزلي إذا أنا بخادم قد أتاني ومعه جارية وفرش بيت وبدرة عشرة آلاف درهم، وفي الليلة الثانية كذلك، فمكثت عشر ليالي، وأنا على هذه الحالة، فلما رأيت ذلك دخلت عليه في اليوم العاشر، فقلت أيها الأمير: قد والله أغنيت وأقنيت، فإن رأيت أن تأذن لي في الرجوع، فأكبت عدوي وأسر صديقي، فقال: إنما أخيرك بين خلتين إما أن تقيم فنولّيك، أو ترحل فنغنيك. فقلت: أو لم تغنني أيها الأمير؟ قال: إنما هذا أثاث المنزل، ومصلحة القدوم، فنالني من فضله ما لا أقدر على وصفه.

وحدث أبو اليقظان عن أبيه قال: حج يزيد بن المهلب، فطلب حلاقا يحلق رأسه، فجاءه بحلاق، فحلق رأسه، فأمر له بخمسة آلاف درهم، فتحير الحلاق ودهش، وقال: آخذ هذه الخمسة الآلاف وأمضي إلى أم فلان أخبرها أني قد استغنيت؟ فقال: أعطوه خمسة آلاف أخرى، فقال: امرأته طالق إن حلقت رأس أحد بعدك.

وقيل: إن الحجاج حبسه على خراج وجب عليه، مقداره مائة ألف درهم، فجمعت له، وهو في السجن، فجاءه الفرزدق يزوره، فقال للحاجب: استأذن لي عليه، فقال: إنه في مكان لا يمكن الدخول عليه فيه، فقال الفرزدق: إنما أتيت متوجعا لما فيه، ولم آت ممتدحا، فأذن له، فلما أبصره قال:

أبا خالد ضاقت خراسان بعدكم ... وقال ذوو الحاجات أين يزيد

فما قطرت بالشرق بعدك قطرة ... ولا أخضرّ بالمروين بعدك عود «١»

وما لسرور بعد عزّك بهجة ... وما لجواد بعد جودك جود

فقال يزيد للحاجب: إدفع إليه المائة ألف درهم التي جمعت لنا ودع الحجاج ولحمي يفعل فيه ما يشاء، فقال الحاجب للفرزدق: هذا الذي خفت منه لما منعتك من دخولك عليه، ثم دفعها إليه، فأخذها وانصرف.

ومر يزيد بن المهلب عند خروجه من سجن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه، بعجوز أعرابية، فذبحت له عنزا، فقال لابنه: ما معك من النفقة؟ قال: مائة دينار.

قال: ادفعها إليها، فقال: هذه يرضيها اليسير وهي لا تعرفك. قال: إن كان يرضيها اليسير، فأنا لا أرضى إلا بالكثير، وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي.

وقال مروان بن أبي الحبوب الشاعر: أمر لي المتوكل بمائة وعشرين ألفا وخمسين ثوبا، ورواحل كثيرة، فقلت أبياتا في شكره، فلما بلغت قولي:

فأمسك ندى كفيّك عني ولا تزد ... فقد خفت أن أطغى وأن أتجبرا

فقال: والله لا أمسك حتى أغرقك بجودي، وأمر له بضياع تقوّم بألف ألف.

وقال أبو العيناء: تذاكروا السخاء، فاتفقوا على آل المهلب في الدولة المروانية، وعلى البرامكة في الدولة العباسية، ثم اتفقوا على أن أحمد بن أبي داود أسخى منهم جميعا وأفضل.

وسئل إسحاق الموصلي عن سخاء أولاد يحيى بن خالد، فقال: أما الفضل فيرضيك فعله، وأما جعفر، فيرضيك قوله، وأما محمد فيفعل بحسب ما يجد، وفي يحيى يقول القائل:

سألت الندى هل أنت حرّ فقال لا ... ولكنّني عبد ليحيى بن خالد

فقلت شراء قال لا بل وراثة ... توارثني من والد بعد والد

وفي الفضل يقول القائل:

إذا نزل الفضل بن يحيى ببلدة ... رأيت بها غيث السماحة ينبت

فليس بسعّال إذا سيل حاجة ... ولا بمكبّ في ثرى الأرض ينكت

وفي محمد يقول القائل:

سألت الندى والجود مالي أراكما ... تبدّلتما عزّا بذل مؤبّد

وما بال ركن المجد أمسى مهدّما ... فقال أصبنا بابن يحيى محمد

فقلت فهلا متمّا بعد موته ... وقد كنتما عبديه في كل مشهد

فقالا أقمنا كي نعزّي بفقده ... مسافة يوم ثم نتلوه في غد «٢»

<<  <   >  >>