للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بورك فيك، فقال سليمان: ليس هذا موضع بورك فيك.

قال: فأتيت يا أمير المؤمنين سعيد بن خالد، فذكرت له حالي، فقال: يا جارية هاتي مطرفا، فأتته بمطرف خز، فصر لي في كل زاوية مائتي دينار، فخرجت وأنا أقول:

أبا خالد أعني سعيد بن خالد ... أخا العرف لا أعني ابن بنت سعيد

ولكنني أعني ابن عائشة الذي ... أبو أبويه خالد بن أسيد

عقيد الندى ما عاش يرضى به الندى ... فإن مات لم يرض الندى بعقيد

ذروه ذروه إنكم قد رقدتموا ... وما هو عن إحسانكم برقود

فقال سليمان: قل ما شئت. وكتب كلثوم بن عمر إلى بعض الكرماء رقعة فيها:

إذا تكرّهت أن تعطي القليل ولم ... تقدر على سعة لم يظهر الجود

بثّ النّوال ولا تمنعك قلته ... فكلّ ما سدّ فقرا فهو محمود

فشاطره ماله حتى بعث إليه بنصف خاتمه وفردة نعله.

وباع عبد الله بن عتبة بن مسعود أرضا بثمانين ألفا، فقيل له: لو اتخذت لولدك من هذا المال ذخرا؟ فقال: بل اجعله ذخرا لي، وأجعل الله ذخرا لولدي، وقسمه بين ذوي الحاجات.

وكان ابن مالك القشيري من الأجواد، قيل أنه أنهب الناس ماله بعكاظ ثلاث مرات، فعاتبه خاله، فقال:

يا خال ذرني وما لي ما فعلت به ... وخذ نصيبك منه إنني مودي «١»

فلن أطيعك إلّا أن تخلّدني ... فانظر بكيدك هل تستطيع تخليدي «٢»

الحمد لا يشترى إلا بمكرمة ... ولن أعيش بمال غير محمود

وقال المهلب: عجبت لمن يشتري الممالك بماله كيف لا يشتري الأحرار بفعاله. ونزل بأبي البحتري وهب بن وهب القرشي ضيفا، فسارع عبيده إلى إنزاله وخدموه أحسن خدمة، وفعلوا به كل جميل، فلما همّ بالرحيل لم يقربه أحد منهم وتجنبوه، فأنكر ذلك عليهم، فقالوا: نحن إنما نعين النازل على الإقامة ولا نعينه على الرحيل.

ووفدت ليلى الأخيلية «٣» على الحجاج، فقالت فيه:

إذا ورد الحجاج أرضا مريضة ... تتبّع أقصى دائها فشفاها «٤»

شفاها من الداء العضال الذي بها ... غلام إذا هزّ القناة سقاها

فقال: لا تقولي غلام، ولكن قولي همام. يا غلام:

أعطها خمسمائة فقالت: أيها الأمير اجعلها نعما، فجعلها إبلا إناثا، وقال أبو الفياض الطبري:

والعزّ ضيف لا يراه بربعه ... من لا يرى بذل التلاد تلادا «٥»

والجود أعلى كعب كعب قبلنا ... فمضى جوادا يوم مات جوادا

وقال آخر:

أيقنت أن من السماح شجاعة ... وعلمت أنّ من السماحة جودا

وقال أحمد بن حمدون النديم: عملت أم المستعين بساطا على صورة كل حيوان من جميع الأجناس، وصورة كل طائر من ذهب، وأعينهم يواقيت وجواهر، أنفقت عليه مائة ألف ألف دينار وثلاثين ألف دينار، وسألته أن يقف عليه، وينظر إليه، فكسل ذلك اليوم عن رؤيته. قال أحمد بن حمدون: فقال لي، ولأترجة الهاشمي: اذهبا، فانظرا إليه، وكان معنا الحاجب، فمضينا ورأيناه، فو الله ما رأينا في الدنيا شيئا أحسن منه، ولا شيئا حسنا إلا وقد عمل فيه، فمددت أنا يدي إلى غزال من ذهب عيناه ياقوتتان، فوضعته في كمي، ثم جئناه، فوصفنا له حسن ما رأيناه، فقال أترجة: يا أمير المؤمنين: إنه قد سرق منه شيئا، وغمزه على كمي، فأريته الغزال، فقال: بحياتي عليكما ارجعا، فخذا ما أحببتما، فمضينا، فملأنا أكمامنا

<<  <   >  >>