وأقبيتنا وأقبلنا نمشي كالحبالى، فلما رآنا ضحك، فقال بقية الجلساء: ونحن فما ذنبنا يا أمير المؤمنين؟ فقال:
قوموا، فخذوا ما شئتم، ثم قام، فوقف على الطريق ينظر كيف يحملون ويضحك.
ونظر يزيد المهلبي سطلا من ذهب مملوءا مسكا، فأخذه بيده وخرج، فقال له المستعين: إلى أين؟ فقال:
إلى الحمام يا أمير المؤمنين. فضحك من قوله، وأمر الفراشين والخدم أن ينتهبوا الباقي، فانتهبوه، فوجهت إليه أمه تقول: سرّ الله أمير المؤمنين لقد كنت أحب أن يراه قبل أن يفرقه، فإنني أنفقت عليه مائة ألف ألف وثلاثين ألف دينار، فقال: يحمل إليها مثل ذلك حتى تعيد مثله، ففعلت، ومضى حتى رآه، وفعل به كفعله بالأول.
ودخل طلحة بن عبد الله بن عوف السوق يوما، فوافق فيه الفرزدق، فقال يا أبا فراس: اختر عشرا من الإبل، ففعل، فقال ضم إليها مثلها، فلم يزل يقول مثل ذلك حتى بلغت مائة، فقال: هي لك، فقال:
يا طلح أنت أخو الندى وعقيده ... إن الندى ما مات طلحة ماتا
إن الندى ألقى إليك رحاله ... فبحيث بتّ من المنازل باتا
وقدم زياد الأعجم على عبد الله بن الحشرج بنيسابور، فأكرمه، وأنعم عليه، وبعث إليه بألف دينار، فقال:
إن السماحة والمروءة والندى ... في قبّة ضربت على ابن الحشرج
فقال: زدني، فقال: كل شيء وثمنه. ووفد أبو عطاء السدي على نصر بن سيار بخراسان مع رفيقين له، فأنزله، وأحسن إليه، وقال: ما عندك يا أبا عطاء؟ فقال: وما عسى أن أقول، وأنت أشعر العرب غير أني قلت بيتين.
قال: هات ما قلت فقال:
يا طالب الجود إمّا كنت تطلبه ... فاطلب على بابه نصر بن سيّار
الواهب الخيل تغدو في أعنّتها ... مع القيان وفيها ألف دينار
فأعطاه ألف دينار، ووصائف، وكساه كسوة جميلة، فقسم ذلك بين رفيقيه، ولم يأخذ منه شيئا، فبلغ ذلك نصرا، فقال: يا له، قاتله الله من سيد، ما أضخم قدره، ثم أمر له بمثله. وقال العتبي: أشرف عمرو بن هبيرة يوما من قصره، فإذا هو بأعرابي يرقل قلوصه، فقال عمرو لحاجبه: إن أرادني هذا الأعرابي، فأوصله إليّ، فلما وصل الأعرابي سأله الحاجب، فقال: أردت الأمير، فدخل به إليه، فلما مثل بين يديه قال له: ما حاجتك؟ فأنشد الأعرابي يقول:
أصلحك الله قلّ ما بيدي ... ولا أطيق العيال إذ كثروا
أناخ دهري عليّ كلكله ... فأرسلوني إليك وانتظروا
فأخذت عمر الأريحية، فجعل يهتز في مجلسه ثم قال:
أرسلوك إليّ وانتظروا إذن والله لا تجلس حتى ترجع إليهم، ثم أمر له بألف دينار. وقيل: أراد ابن عامر أن يكتب لرجل بخمسين ألف درهم، فجرى القلم بخمسمائة ألف، فراجعه الخازن في ذلك، فقال: انفذه، فما بقي إلا نفاذه، وإن خروج المال أحب إليّ من الاعتذار. فاستشرفه الخازن فقال: إذا أراد الله بعبد خيرا صرف القلم عن مجرى إرادة كاتبه إلى إرادته، وأنا أردت شيئا وأراد الجواد الكريم أن يعطي عبده عشرة أضعافه، فكانت إرادة الله الغالبة، وأمره النافذ.
ووقف أعرابي على ابن عامر، فقال: يا قمر البصرة، وشمس الحجاز، ويا ابن ذروة العرب، وابن بطحاء مكة، برحت بي الحاجة، وأكدّت بي الآمال إلا بفنائك، فامنحني بقدر الطاقة لا بقدر المجد والشرف والهمة، فأمر له بمائتي ألف درهم. وسمع المأمون قول عمارة بن عقيل:
أأترك إن قلّت دراهم خالد ... زيارته إنّي إذا للئيم
فقال: أو قلت دراهم خالد إحملوا إليه مائة ألف درهم، فبعثها خالد بن يحيى إلى عمارة بن عقيل، وقال: هذه قطرة من سحابك. ولما عزل عبد الرحمن بن الضحاك عن المدينة بكى، ثم قال: والله ما بكائي جزعا من العزل، ولا أسفا على الولاية، ولكن أخاف على هذه الوجوه أن يلي أمرها من لا يعرف لها حقا.
وأراد الرشيد أن يخرج إلى بعض المتفرجات، فقال يحيى بن خالد لرجاء بن عبد العزيز وكان على نفقاته: ما عند وكلائنا من الأموال؟ قال: سبعمائة ألف درهم. قال:
فاقبضها إليك يا رجاء. فلما كان من الغد دخل عليه رجاء، فقبل يده وعنده منصور بن زياد، فلما خرج رجاء