للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد رجوتك دون النّاس كلّهم ... وللرجاء حقوق كلّها تجب

إن لم يكن لي أسباب أعيش بها ... ففي العلا لك أخلاق هي السبب

فقال: يا سلامة أنظر أي شيء في بيت مالنا دون مال المسلمين، فقال: بقية من مال. قال: فادفع له منها مائة ألف درهم، وابعث له بمثلها في كل شهر. فلما كان بعد أحد عشر شهرا مات المأمون، فبكى عليه أبو العيناء، حتى تقرّحت أجفانه، فدخل عليه بعض أولاده، فقال:

يا أبتاه بعد ذهاب العين ماذا ينفع البكاء، فأنشأ أبو العيناء يقول:

شيئان لو بكت الدماء عليهما ... عيناي حتى يؤذنا بذهاب

لم يبلغا المعشار من حقيهما ... فقد الشباب وفرقة الأحباب

وكان أحمد بن طولون كثير الصدقة، وكان راتبه منها في الشهر ألف دينار سوى ما يطرأ عليه من نذر أو صلة، وسوى ما يطبخ في دار الصدقة. وكان الموكل بصدقته سليم الخادم، فقال له سليم يوما: أيها الأمير إني أطوف القبائل، وأدق الأبواب لصدقاتك، وإن اليد تمد إليّ، وفيها الحناء، وربما كان فيها الخاتم الذهب والسوار الذهب، أفأعطي أم أرد؟ قال: فأطرق طويلا، ثم قال:

كل يد امتدت إليك فلا تردها.

وقال سلمة بن عياش في جعفر بن سليمان:

وما شمّ أنفي ريح كف شممتها ... من الناس إلّا ريح كفّك أطيب

فأمر له بألف دينار ومائة مثقال مسك ومائة مثقال عنبر.

وكان عبد العزيز بن عبد الله جوادا. مضيافا، فتعذى عنده أعرابي يوما، فلما كان من الغد مر على بابه، فرأى الناس في الدخول على هيئتهم بالأمس، فقال: أو كل يوم يطعم الأمير الناس؟ قالوا: نعم، فأنشأ يقول:

أكلّ يوم كأنّه عيد أضحى ... عند عبد العزيز أو عيد فطر

وله ألف جفنة مترعات ... كل قدر يمدها ألف قدر «١»

وتعشّى الناس ليلة عند سعيد بن العاص، فلما خرجوا بقي فتى من الشام قاعدا، فقال له سعيد: ألك حاجة؟

وأطفأ الشمعة كراهة أن يخجل الفتى، فذكر أن أباه مات، وخلف دينا وعيالا، وسأله أن يكتب له كتابا إلى أهل دمشق ليقوموا ببعض إصلاح حاله، فدفع له عشرة آلاف دينار وقال له: لا أدعك تقاسي الذل على أبوابهم.

ودخل رجل على علي بن سليمان الوزير، فقال له:

سألتك بالله العظيم ونبيه الكريم إلا ما أجرتني من خصمي، فقال: ومن خصمك حتى أجيرك منه؟، فقال:

الفقر، فأطرق الوزير ساعة، وقال: قد أمرت لك بمائة ألف درهم، فأخذها وانصرف. فبينما هو في الطريق إذ أمر الوزير برده إليه، فلما رجع قال له: سألتك بالله العظيم ونبيه الكريم متى أتاك خصمك معنّفا، فارجع إلينا متظلما.

وقال الأعمش: كانت عندي شاة، فمرضت، وفقدت الصبيان لبنها، فكان خيثمة بن عبد الرحمن يعودها بالغداة والعشي ويسألني. هل أسوفت علفها؟ وكيف صبر الصبيان منذ فقدوا لبنها، وكانت تحتي لبد أجلس عليه، فكان إذا خرج يقول: خذ ما تحت اللبد حتى وصل من علة الشاة أكثر من ثلاثمائة دينار من بره حتى تمنيت أن الشاة لم تبرأ.

وحكى أبو قدامة القشيري قال: كنا مع يزيد بن مزيد يوما، فسمع صائحا يقول: يا يزيد بن مزيد، فطلبه فأتي به إليه، فقال: ما حملك على هذا الصياح؟ قال: فقدت دابتي ونفدت نفقتي، وسمعت قول الشاعر:

إذا قيل من للجود والمجد والندى ... فنادي بصوت يا يزيد بن مزيد

فأمر له بفرس أبلق كان معجبا به، وبمائة دينار، وخلعة سنية فأخذها وانصرف.

وحكي: أن قوما من العرب جاءوا إلى قبر بعض أسخيائهم يزورونه فباتوا عند قبره، فرأى رجل منهم صاحب القبر في المنام وهو يقول له: هل لك أن تبيعني بعيرك بنجيبي «٢» ؟ وكان الميت قد خلف نجيبا، وكان للرائي بعير سمين، فقال: نعم، وباعه في النوم بعيره بنجيبه، فلما وقع بينهما عقد البيع عمد صاحب القبر إلى البعير، فنحره في النوم، فانتبه الرائي من نومه، فوجد الدم يسيح من نحر بعيره، فقام وأتم نحره وقطع لحمه وطبخوه وأكلوا، ثم رحلوا وساروا، فلما كان اليوم الثاني وهم في

<<  <   >  >>