أما مررت بعبدة ... لعبد حاتم طي
ومما قالته الشعراء في البخلاء وطعامهم، فمن أهجى ما قيل فيهم بيت جرير في بني تغلب:
والتغلبي إذا تنحنح للقرى ... حكّ أسته وتمثّل الأمثالا
وله أيضا فيهم:
قوم إذا أكلوا أخفوا كلامهم ... واستوثقوا من رتاج الباب والدار
قوم إذا استنبح الضيفان كلبهم ... قالوا لأمّهم بولي على النار
فتمنع البول شحّا أن تجود به ... وما تبول لهم إلّا بمقدار
والخبز كالعنبر الهندي عندهم ... والقمح خمسون إردبّا بدينار
فأين هؤلاء من الذي قال فيه الشاعر:
أبلج بين حاجبيه نوره ... إذا تغدى رفعت ستوره
وقال بعضهم في بخيل:
أتانا بخيل بخبز له ... كمثل الدراهم في رقته
إذا ما تنفس حول الخوان ... تطاير في البيت من خفّته
وقال آخر:
تراهم خشية الأضياف خرسا ... يقيمون الصلاة بلا أذان
وقال آخر وقد بات عند بخيل:
فبتنا كأنّا بينهم أهل مأتم ... على ميّت مستودع بطن ملحد
يحدّث بعضا بعضنا بمصابه ... ويأمر بعضا بعضنا بالتجلد «١»
وقال آخر:
وجيرة لا ترى في الناس مثلهم ... إذا يكون لهم عيد وإفطار
إن يوقدوا يوسعونا من دخانهم ... وليس يبلغنا ما تطبخ النار
وقال آخر وأجاد:
فصدّق أيمانه إن قال مجتهدا ... لا والرغيف فذاك البرّ من قسمه
فإن هممت به فاعبث بخبزته ... فإنّ موقعها من لحمه ودمه
قد كان يعجبني لو أنّ غيرته ... على جرادقه «٢» كانت على حرمه
وقال آخر:
ذهب الكرام فلا كرام ... وبقي العضاريط اللّئام
من لا يقيل ولا يني ... ل ولا يشمّ له طعام
وقال آخر:
خليلي من كعب أعينا أخاكما ... على دهره إنّ الكريم معين
ولا تبخلا بخل ابن قزعة إنه ... مخافة أن يرجى نداء حزين
إذا جئته في حاجة سدّ بابه ... فلم تلقه إلّا وأنت كمين «٣»
وقال آخر:
له يومان يوم ندى ويومّ ... يسل السيف فيه من القراب «٤»
فأما جوده فعلى قحاب ... وأما سيفه فعلى الكلاب
وقال آخر:
زففت إلى نبهان من صفو فكرتي ... عروسا غدا بطن الكتاب لها صدرا
فقبّلها عشرا وهام بحبها ... فلما ذكرت المهر طلّقها عشرا