للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد فررت من شيء ووقعت فيما هو شر منه، أما علمت أن الريح والشمس يأخذان من سائر الأشياء وينشفان هذا العود، لم لا اتخذت مكان هذا العود إبرة من حديد، فإن الحديد أملس وهو مع ذلك غير نشاف، والعود أيضا ربما يتعلق به شعرة من قطن الفتيلة فينقصها. فقال له الرجل الخراساني: أرشدك الله، ونفع بك، فلقد كنت في ذلك من المسرفين.

وقال الهيثم بن عدي: نزل على أبي حفصة الشاعر رجل من اليمامة، فأخلى له المنزل ثم هرب مخافة أن يلزمه قراه في هذه الليلة فخرج الضيف واشترى ما احتاج إليه، ثم رجع وكتب إليه:

يا أيها الخارج من بيته ... وهاربا من شدة الخوف

ضيفك قد جاء بزاد له ... فارجع وكن ضيفا على الضيف

واشترى رجل من البخلاء دارا وانتقل إليها، فوقف ببابه سائل فقال له: فتح الله عليك. ثم وقف ثان، فقال له مثل ذلك، ثم وقف ثالث، فقال له مثل ذلك، ثم التفت إلى ابنته، فقال لها: ما أكثر السّؤال في هذا المكان. قالت:

يا أبت ما دمت مستمسكا لهم بهذه الكلمة فما تبال كثروا أم قلوا. وألأم اللئام وأبخلهم حميد الأرقط الذي يقال له هجّاء الأضياف، وهو القائل في ضيف له يصف أكله بهذا البيت من قصيدة له:

ما بين لقمته الأولى إذا انحدرت ... وبين أخرى تليها قيد أظفور

وقال فيه أيضا:

تجهز كفّاه ويحدر حلقه ... إلى الزور ما ضمّت عليه الأنامل «١»

وأكل أعرابي مع أبي الأسود رطبا فأكثر، ومد أبو الأسود يده إلى رطبة ليأخذها فسبقه الأعرابي إليها فسقطت منه في التراب، فأخذها أبو الأسود وقال: لا أدعها للشيطان يأكلها، فقال الأعرابي: والله ولا لجبريل وميكائيل لو نزل من السماء ما تركها.

وقال أعرابي لنزيل نزل به: نزل بواد غير ممطور ورجل بك غير مسرور، فأقم بعدم أو ارحل بندم.

وللحمدوني:

رأيت أبا زرارة قال يوما ... لحاجبه وفي يده الحسام

لئن وضع الخوان ولاح شخص ... لاختطفن رأسك والسلام

فقال سوى أبيك فذاك شيخ ... بغيض ليس يردعه الكلام

فقام وقال من حنق إليه ... ببيت لم يرد فيه القيام

أبي وابنا أبي والكلب عندي ... بمنزلة إذا حضر الطعام

وقال له أبن لي يا ابن كلب ... على خبزي أصادر أو أضام

إذا حضر الطعام فلا حقوق ... علي لوالديّ ولا ذمام

فما في الأرض أقبح من خوان ... عليه الخبز يحضره الزحام

فأين هذا من القائل:

بخيل يرى في الجود عارا وإنما ... يرى المرء عارا أن يضنّ ويبخلا

إذا المرء أثرى ثم لم يرج نفعه ... صديق فلاقته المنية أوّلا

وقال آخر:

وآمرة بالبخل قلت لها اقصري ... فليس إليه ما حييت سبيل

أرى الناس إخوان الكريم وما أرى ... بخيلا له في العالمين خليل

وقالوا: إذا سألت لئيما شيئا فعاجله ولا تدعه يفكر، فإنه كلما فكّر ازداد بعدا وقال ربعي الهمداني:

جمعت صنوف المال من كلّ وجهة ... وما نلتها إلّا بكفّ كريم

وإني لأرجو أن أموت وتنقضي ... حياتي وما عندي يد للئيم

وأنشد الجاحظ لأبي الشمقمق:

ممّن تعلمت هذا ... أن لا تجود بشي

<<  <   >  >>