الشيطان: سكوته عليّ أشد من كلامه.
شعر:
إذا كنت تبغي شيمة غير شيمة ... طبعت عليها لم تطعك الضرائب
وعن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما: أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضب. وفي التوراة:
اذكرني إذا غضبت أذكرك إذا غضبت، فلا أمحقك فيما أمحق، وإذا ظلمت فاصبر، وارض بنصرتي، فإن نصرتي لك خير من نصرتك لنفسك.
وكان ابن عون إذا غضب على إنسان قال له: بارك الله فيك، وكانت له ناقة كريمة، فضربها الغلام فأندر عينها «١» . فقالوا: إن غضب ابن عون، فإنه يغضب اليوم، فقال للغلام: غفر الله لك.
وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي شيء أشد؟ قال:
غضب الله. قال: فما يباعدني من غضب الله؟ قال: أن لا تغضب ويقال: من أطاع الغضب أضاع الأرب.
قال أبو العتاهية:
ولم أر في الأعداء حين اختبرتهم ... عدوا لعقل المرء أعدى من الغضب
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: ليس الشديد بالصرعة «٢» إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: كفى بالمرء إثما أن يقال له: اتق الله فيغضب، ويقول: عليك نفسك.
وكتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى عامل من عماله: أن لا تعاقب عند غضبك، وإذا غضبت على رجل، فاحبسه، فإذا سكن غضبك فأخرجه، فعاقبه على قدر ذنبه، ولا تجاوز به خمسة عشر سوطا. وقيل لابن المبارك رحمه الله تعالى: اجمع لنا حسن الخلق في كلمة واحدة. قال: ترك الغضب.
وقال المعتمر بن سليمان: كان رجل ممن كان قبلكم يغضب، ويشتد غضبه، فكتب ثلاث صحائف، فأعطى كل صحيفة رجلا. وقال للأول: إذا اشتد غضبي، فقم إليّ بهذه الصحيفة وناولنيها، وقال للثاني: إذا سكن بعض غضبي فناولنيها، وقال للثالث: إذا ذهب غضبي، فناولنيها. وكان في الأول: «اقصر، فما أنت وهذا الغضب، إنك لست بإله إنما أنت بشر يوشك أن يأكل بعضك بعضا» . وفي الثانية: «ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء» . وفي الثالثة: «احمل عباد الله على كتاب الله، فإنه لا يصلحهم إلا ذاك» . روي أنه أنوشروان.
وكان الشعبي أولع شيء بهذا البيت:
ليست الأحلام في حال الرضا ... إنما الأحلام في حال الغضب
وعن معاذ بن جبل، عن أنس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من كظم غيظه وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور شاء» ، وروي: ملأه الله أمنا وإيمانا.
وقال ابن السماك: أذنب غلام لامرأة من قريش، فأخذت السوط، ومضت خلفه حتى إذا قاربته رمت بالسوط وقالت: ما تركت التقوى أحدا يشفي غيظه. وقال أبو ذر لغلامه: لم أرسلت الشاة على علف الفرس؟ قال:
أردت أن أغيظك، قال: لأجمعن مع الغيظ أجرا أنت حر لوجه الله تعالى. واستأذن رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن لهم، فقالوا: السام عليك يا محمد، فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: بل السام عليكم، واللعنة، فقال: يا عائشة: إن الله يحب الرفق في الأمر كله، فقالت: ألم تسمع ما قالوا، قال: قد قلت:
وعليكم.
ورفع إلى عبد الملك بن مروان أعرابي يقال له حمزة، سرق، وقامت عليه البينة، فهمّ عبد الملك بقطع يده، فكتب إليه حمزة من السجن يقول (شعر) :
يدي يا أمير المؤمنين أعيذها ... بعفوك أن تلقى مقاما يشينها
فلا خير في الدنيا وكانت خبيثة ... إذا ما شمال فارقتها يمينها
قال: فأبى عبد الملك إلا قطعه، فدخلت عليه أم حمزة وقالت: يا أمير المؤمنين بني وكاسبي وواحدي، فقال لها عبد الملك: بئس الكاسب لك، هذا حد من حدود الله تعالى، فقالت يا أمير المؤمنين: اجعله أحد ذنوبك التي تستغفر الله منها، فقال عبد الملك: ادفعوه إليها، وخلى سبيله (شعر) :
إذا ما طاش حلمك عن عدو ... وهان عليك هجران الصديق «٣»