للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والإنجاز مطره. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

لكل شيء رأس ورأس المعروف تعجيله.

وأنشدوا:

إذا قلت في شيء نعم فأتمّه ... فإنّ نعم دين على الحرّ واجب

وإلّا فقل لا، تسترح وترح بها ... لئلّا يقول الناس أنّك كاذب «١»

وقال آخر:

لا كلّف الله نفسا فوق طاقتها ... ولا تجود يد إلّا بما تجد

فلا تعد عدة إلّا وفيت بها ... واحذر خلاف مقال للذي تعد

وقال أعرابي: وعد الكريم نقد وتعجيل ووعد اللئيم مطل وتعليل.

وقال أعرابي أيضا: العذر الجميل خير من المطل الطويل. ومدح بشار خالد بن برمك فأمر له بعشرين ألفا فأبطأت عليه فقال لقائده «٢» : أقمني حيث يمر فأقامه فمر فأخذ بلجام بغلته وأنشأ يقول:

أظلت علينا منك يوما سحابة ... أضاء لها برق وأبطا رشاشها «٣»

فلا غيمها يجلى فييأس طابع ... ولا غيثها يأتي فتروي عطاشها

فقال: لا تبرح حتى تؤتى بها.

وقال صالح اللخمي:

لئن جمع الآفات فالبخل شرّها ... وشرّ من البخل المواعيد والمطل

ولا خير في وعد إذا كان كاذبا ... ولا خير في قول إذا لم يكن فعل

وقيل ماتت للهذلي أم ولد، فأمر المنصور الربيع أن يعزيه ويقول له: إن أمير المؤمنين موجّه إليك جارية نفيسة لها أدب وظرف يسليك بها، وأمر لك معها بفرس وكسوة وصلة. فلم يزل الهذلي يتوقع وعد أمير المؤمنين ونسيه المنصور، فحج المنصور ومعه الهذلي فقال المنصور وهو بالمدينة: إني أحب أن أطوف الليلة المدينة فاطلب لي من يطوف بي. فقال الهذلي: أنا لها يا أمير المؤمنين فطاف به حتى وصل بيت عاتكة، فقال: يا أمير المؤمنين وهذا بيت عاتكة الذي يقول فيه الأحوص:

يا بيت عاتكة الذي أتعزل ... حذر العدا وبه الفؤاد موكّلّ

إني لأمنحك الصدود وإنّني ... قسما إليك مع الصدود لأميل

فكره المنصور ذكر بيت عاتكة من غير أن يسأله عنه فلما رجع المنصور أمرّ القصيدة على قلبه «٤» فإذا فيها:

وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق اللسان «٥» يقول ما لا يفعل

فذكر المنصور الوعد الذي كان وعد به الهذلي فأنجزه له واعتذر إليه.

وقال الشاعر:

تعجيل وعد المرء أكرومة ... تنشر عنه أطيب الذكر

والحرّ لا يمطل معروفه ... ولا يليق المطل بالحرّ

وقال آخر:

ولقد وعدت وأنت أكرم واعد ... لا خير في وعد بغير تمام

أنعم عليّ بما وعدت تكرّما ... فالمطل يذهب بهجة الإنعام

وقال آخر:

لعبدك وعد قد تقدم ذكره ... فأوله حمد وآخره شكر

وقد جمعت فيك المكارم كلها ... فما لك عن تأخير مكرمة عذر

وقال آخر:

وميعاد الكريم «٦» عليه دين ... فلا تزد الكريم على السلام

<<  <   >  >>