فكن قائلا قول الحماسي تائها ... بنفسك عجبا وهو منك قليل
وننكر إن شئنا على الناس قولهم ... ولا ينكرون القول حين نقول
وكان لمحمد بن الحسن بن سهل صديق فنالته إضاقة «١» ثم ولي عملا فأثرى فقصده محمد مسلما فرأى منه تغيرا فكتب إليه:
لئن كانت الدنيا أنالتك ثروة ... فأصبحت ذا يسر وقد كنت ذا عسر
فقد كشف الإثراء منك خلائقا ... من اللؤم كانت تحت ثوب من الفقر
وقال آخر في المعنى:
دعوت الله أن تسمو وتعلو ... علوّ النجم في أفق السماء
فلما أن سموت بعدت عنّي ... فكان إذا على نفسي دعائي
وكان ابن عرادة السعدي مع سلم بن زياد بخراسان وكان له مكرما وابن عرادة يتجنى عليه ففارقه وصاحب غيره ثم ندم ورجع إليه وقال:
عتبت على سلم فلمّا فقدته ... وصاحبت أقواما بكيت على سلم
رجعت إليه بعد تجريب غيره ... فكان كبرء بعد طول من السقم
وقال مسلم بن الوليد:
ويرجعني إليك إذا نأت بي ... ديارك عنك تجربة الرجال
وقال أبو الحسن القابسي:
إذا أنا عاتبت الملوم فإنّما ... أخطّ بأقلامي على الماء أحرفا «٢»
وهبه ارعوى بعد العتاب ألم تكن ... مودته طبعا فصارت تكلفا «٣»
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: معاتبة الصديق أهون من فقده. وما أحسن ما قيل في العتاب:
وفي العتاب حياة بين أقوام ... وهو المحكّ لذي لبس وإبهام «٤»
فما ثم شيء أحسن من معاتبة الأحباب ولا ألذ من مخاطبة ذوي الألباب والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الباب السابع والثلاثون في الوفاء بالوعد وحفظ العهد ورعاية الذمم
أرجح دليل يتمسك به الإنسان كتاب الله تعالى الذي من تمسك به هداه ومن استدل به أرشده هداه، قال الله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ
«٥» . وقال جل ذكره وتقدس اسمه: الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ ٢٠
«٦» . وقال جل وعلا: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها
«٧» . وقال تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا
«٨» .
والآيات في ذلك كثيرة ومن أشدها قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ٢ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ٣
«٩» .
وروي في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «آية المنافق ثلاث، إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان» . فالوفاء من شيم النفوس الشريفة والأخلاق الكريمة والخلال الحميدة، يعظم صاحبه في العيون وتصدق فيه خطرات الظنون، ويقال الوعد والإنجاز محاسنه، والوعد سحابه