للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على عرضه فقد يستوي عنده المدح والذم وبئس الرجل ذاك. وكان الرجل من نمير إذا قيل له: ممن الرجل؟

يقول: من نمير وأمال بها عنقه، فلما هجاهم جرير بقوله:

فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا

صار إذا قيل لأحدهم: ممن الرجل: يقول من بني عامر، وما لقيت قبيلة من العرب بهجو ما لقيت نمير بهجو جرير.

وهجا ابن سام رجلا فقال:

يا طلوع الرقيب من غير إلف ... يا غريما أتى على ميعاد

يا ركودا في وقت غيم وصيف ... يا وجوه التّجار يوم كساد

وقصد ابن عيينة قبيصة المهلبي، واستماحه «١» . فلم يسمح له بشيء «٢» ، فانصرف مغضبا، فوجه إليه داود بن يزيد بن حاتم، فترضاه، وأحسن إليه، فقال في ذلك:

داود محمود وأنت مذّمم ... عجبا لذاك وأنتما من عود

ولربّ عود قد يشقّ لمسجد ... نصفا وباقيه لحشّ «٣» يهودي

فالحشّ أنت له وذاك بمسجد ... كم بين موضع مسلح «٤» وسجود

هذا جزاؤك يا قبيص لأنّه ... جادت يداه وأنت قبل حديد

وله هجاء في خالد:

أبوك لنا غيث يغيث بوبله ... وأنت جراد لست تبقي ولا تذر

له أثر في المكرمات يسرنا ... وأنت تعفّي دائما ذلك الأثر «٥»

وقال المبرد في حقه: لم يجتمع لأحد من المحدثين في بيت واحد هجاء رجل ومدح أبيه إلّا له. ولما قعد حماد عجرد لتأديب ولد الأمين، قال بشار بن برد:

قل للأمين جزاك الله صالحه ... لا يجمع الله بين السخل والذيب «٦»

السخل يعلم أن الذئب آكله ... والذئب يعلم ما بالسخل من طيب

فشاعت الأبيات، فأمر الأمين بإخراج حماد.

وقال رجل لأخيه لأبويه «٧» : لأهجونك هجاء يدخل معك في قبرك، قال: كيف تهجوني وأبوك أبي، وأمك أمي؟ قال أقول:

بني أمية هبّوا طال نومكمو ... إنّ الخليفة يعقوب بن داود

ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا ... خليفة الله بين الماء والعود

فدخل يعقوب على المهدي، فأخبره أن بشارا هجاه، فاغتاظ المهدي وانحدر إلى البصرة لينظر في أمرها، فسمع أذانا في ضحى النهار فقال: انظروا ما هذا، وإذا به بشار وهو سكران، فقال له: يا زنديق عجب أن يكون هذا من غيرك، ثم أمر به فضربه سبعين سوطا حتى أتلفه بها وألقي في سفينة، فقال: عين الشمقمق تراني حيث يقول:

إن بشار بن برد ... تيس أعمى في سفينة

فلما مات ألقيت جثته في الماء، فحمله الماء، فأخرجه إلى الدجلة، فجاء بعض أهله، فحملوه إلى البصرة، وأخرجت جنازته، فما تبعه أحد، وتباشر عامة الناس بموته لما كان يلحقهم من الأذى منه.

وخاصم أبو دلامة رجلا، فارتفعا إلى عافية القاضي، فلما رآه أبو دلامة أنشد يقول:

لقد خاصمتني دهاة الرجال ... وخاصمتها سنّة وافيه

فما أدحض الله لي حجّة ... ولا خيبّ الله لي قافيه

ومن خفت من جوره في القضاء ... فلست أخافك يا عافيه

<<  <   >  >>