أولاده فقراء لا مال لواحد منهم، وبين الدولة العباسية ووفاة هشام سبع سنين.
ولما قتل الأفضل بن أمير الجيوش في شهر رمضان سنة خمس عشرة وخمسمائة، خلف بعده مائة ألف ألف دينار، ومن الدراهم مائة وخمسين أردبا وخمسة وسبعين ألف ثوب ديباج ودواة من الذهب قوم ما عليها من الجواهر واليواقيت بمائتي ألف دينار، وعشرة بيوت في كل بيت منها مسمار ذهب قيمته مائة دينار على كل مسمار عمامة لونا، وخلف كعبة عنبر يجعل عليه ثيابه إذا نزعها، وخلف عشرة صناديق مملوءة من الجوهر الفائق الذي لا يوجد مثله، وخلّف خمسمائة صندوق كبار لكسوة حشمه وخلف من الزبادي الصيني والبلور المحكم وسق مائة جمل، وخلّف عشرة آلاف معلقة فضة، وثلاثة آلاف معلقة ذهب، وعشرة آلاف زباية فضة كبار وصغار، وأربع قدور ذهبا كل قدر وزنها مائة رطل، وسبعمائة جام ذهبا بفصوص زمرد، وألف خريطة مملوءة دراهم خارجا عن الأرادب في كل خريطة عشرة آلاف درهم، وخلّف من الخدم والرقيق والخيل والبغال والجمال وحلى النساء ما لا يحصي عدده إلا الله تعالى، وخلّف ألف حسكة ذهبا وألفي حسكة فضة، وثلاثة آلاف نرجسة ذهبا، وخمسة آلاف نرجسة فضة، وألف صورة ذهبا وألف صورة فضة منقوشة عمل المغرب، وثلاثمائة تور ذهبا، وأربعة آلاف تور فضة، وخلّف من البسط الرومية والأندلسية ما ملأ به خزائن الإيوان وداخل قصر الزمرد، وخلّف من البقر والجاموس والأغنام ما يباع لبنه في كل سنة بثلاثين ألف دينار، وخلّف من الحواصل المملوءة من الحبوب ما لا يحصى.
ولما احتوى الناصر على ذخائر قصر العاضد وجد فيه طبلا كان بالقرب من موضع العاضد محتفظا به، فلما رأوه سخروا منه، فضرب عليه إنسان فضرط، فضحكوا منه، ثم أمسكه آخر وضربه، فضرط فضحكوا عليه، فكسروه استهزاء وسخرية، ولم يدروا خاصيته، وكان الفائدة فيه أنه وضع للقولنج، فلما أخبروا بخاصيته ندموا على كسره.
وقد جمعت الملوك من الأموال والذخائر والتحف كنوزا لا تحصى، وبعد ذلك ماتوا ونفذت ذخائرهم، وفنيت أموالهم، فسبحان من يدوم ملكه وبقاؤه.
قال بعضهم:
هب الدنيا تقاد إليك عفوا ... أليس مصير ذلك للزوال
فضمنت أنا هذا البيت وقلت:
أيا من عاش في الدنيا طويلا ... وأفنى العمر في قيل وقال
وأتعب نفسه فيما سيفنى ... وجمّع من حرام أو حلال
هب الدنيا تقاد إليك عفوا ... أليس مصير ذلك للزوال «١»
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الباب الثاني والخمسون في ذكر الفقر ومدحه
قد دلّ قوله تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى ٦ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى ٧
«٢» على ذم الغنى إن كان سبب الطغيان.
وسئل أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن الغنى والفقر فقال:
وهل طغى من طغى من خلق الله عز وجل إلا بالغنى وتلا هذه الآية المتقدمة.
والمحققون يرون الغنى والفقر من قبل النفس لا في المال. وكان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يرون الفقر فضيلة. وحدث الحسن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يدخل فقراء أمتي الجنة قبل الأغنياء بأربعين عاما» ، فقال جليس للحسن: أمن الأغنياء أنا أو من الفقراء؟
فقال: هل تغديت اليوم؟ قال: نعم، قال: فهل عندك ما تتعشى به؟ قال: نعم. قال: فإذا أنت من الأغنياء.
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيت طاويا «٣» ليالي ما له ولا لأهله عشاء، وكان عامة طعامه الشعير، وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع،