للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان صلى الله عليه وسلم يأكل خبز الشعير غير منخول. هذا وقد عرضت عليه مفاتيح كنوز الأرض، فأبى أن يقبلها صلوات الله وسلامه عليه، وكان يقول: «اللهم توفني فقيرا ولا تتوفني غنيا واحشرني في زمرة المساكين» .

وقال جابر رضي الله تعالى عنه: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وهي تطحن بالرحى، وعليها كساء من وبر الإبل، فبكى وقال: «تجرعي يا فاطمة مرارة الدنيا لنعيم الآخرة» .

قال الله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى ٥

«١» .

وقال صلى الله عليه وسلم: «الفقر موهبة من مواهب الآخرة وهبها الله تعالى لمن اختاره، ولا يختار إلا أولياء الله تعالى» .

وفي الخبر إذا كان يوم القيامة يقول الله عز وجل لملائكته: أدنوا إلي أحبائي، فتقول الملائكة: ومن أحباؤك يا إله العالمين؟ فيقول: فقراء المؤمنين أحبائي، فيدنونهم منه، فيقول: يا عبادي الصالحين إني ما زويت الدنيا عنكم لهوانكم عليّ ولكن لكرامتكم تمتعوا بالنظر إليّ وتمتعوا ما شئتم. فيقولون: وعزتك وجلالك لقد أحسنت إلينا بما زويت عنا منها، ولقد أحسنت بما صرفت عنا، فيأمر بهم، فيكرمون ويجبرون ويزفون إلى أعلى مراتب الجنان.

وقال صلى الله عليه وسلم: «هل تنصرون إلا بفقرائكم وضعفائكم، والذي نفسي بيده ليدخلن فقراء أمتي الجنة قبل أغنيائها بخمسمائة عام، والأغنياء يحاسبون على زكاتهم» .

وقال عليه الصلاة والسلام: «رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه به لو أقسم على الله تعالى لأبره» ، أي لو قال اللهم إني أسألك الجنة لأعطاه الجنة، ولم يعطه من الدنيا شيئا.

وقال عليه الصلاة والسلام: «إن أهل الجنة كل أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه به، الذين إذا استأذنوا على الأمير لا يؤذن لهم، وإن خطبوا النساء لم ينكحوا، وإذا قالوا لم ينصت لهم. حوائج أحدهم تتلجلج في صدره، لو قسم نوره على الناس يوم القيامة لوسعهم» .

وروي عن خالد بن عبد العزيز أنه قال: كان حيوة بن شريح من البكائين، وكان ضيق الحال جدا، فجلست إليه ذات يوم وهو جالس وحده يدعو، فقلت له: يرحمك الله لو دعوت الله تعالى ليوسع عليك في معيشتك، قال:

فالتفت يمينا وشمالا فلم ير أحدا، فأخذ حصاة من الأرض وقال: اللهم اجعلها ذهبا، فإذا هي تبرة في كفه ما رأيت أحسن منها، قال: فرمى بها إليّ وقال: هو أعلم بما يصلح عباده، فقلت: ما أصنع بهذه؟ قال: انفقها على عيالك، فهبته والله أن أردها عليه.

وقال عون بن عبد الله: صحبت الأغنياء فلم أجد فيهم أحدا أكثر مني هما لأني كنت أرى ثيابا أحسن من ثيابي ودابة أحسن من دابتي، ثم صحبت الفقراء بعد ذلك، فاسترحت.

قال بعضهم:

وقد يهلك الإنسان كثرة ماله ... كما يذبح الطاوس من أجل ريشه

وقال عبد الله بن طاهر:

ألم تر أن الدهر يهدم ما بنى ... ويأخذ ما أعطى ويفسد ما أسدى «٢»

فمن سرّه أن لا يرى ما يسوءه ... فلا يتخذ شيئا ينال به فقدا

وكان من دعاء السلف رضي الله تعالى عنهم: «اللهم إني أعوذ بك من ذل الفقر وبطر الغنى» . وقيل: مكتوب على باب مدينة الرقة: ويل لمن جمع المال من غير حقه، وويلان لمن ورّثه لمن لا يحمده وقدم على من لا يعذره.

ولما فتحت بلخ في زمن عمر رضي الله تعالى عنه وجد على بابها صخرة مكتوب فيها: إنما يتبين الفقير من الغني بعد الانصراف من بين يدي الله تعالى أي: بعد العرض.

قال الشاعر:

ومن يطلب الأعلى من العيش لم يزل ... حزينا على الدنيا رهين غبونها «٣»

إذا شئت أن تحيا سعيدا فلا تكن ... على حالة إلا رضيت بدونها

وقال آخر:

ولا ترهبن الفقر ما عشت في غد ... لكلّ غد رزق من الله وارد

وقال هارون بن جعفر الطالبي:

<<  <   >  >>