للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بوعدت همّتي وقورب مالي ... ففعالي مقصّر عن مقالي

ما اكتسى الناس مثل ثوب اقتناع ... وهو من بين ما اكتسوا سربالي

ولقد تعلم الحوادث أنّي ... ذو اصطبار على صروف الليالي

وقال أعرابي: من ولد في الفقر أبطره الغنى، ومن ولد في الغنى لم يزده إلا تواضعا، فما أحسن الفقر وأكثر ثوابه وأعظم أجر من رضي به، وصبر عليه، اللهم اجعلنا من الصابرين برحمتك يا أرحم الراحمين يا رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الباب الثالث والخمسون في التلطف في السؤال وذكر من سئل فجاد

روى الإمام مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعطوا السائل ولو جاء على فرس» . وما سئل عليه السلام شيئا قط، فقال لا.

وأتى إعرابي إلى علي رضي الله تعالى عنه، فسأله شيئا، فقال: والله ما أصبح في بيتي شيء فضل عن قوتي، فولى الإعرابي وهو يقول: والله ليسألنك الله عن موقفي بين يديك يوم القيامة، فبكى علي رضي الله تعالى عنه بكاء شديدا، وأمر برده، وقال يا قنبر: ائتني بدرعي الفلانية، فدفعها إلى الإعرابي، وقال: لا تخدعن عنها فطالما كشفت بها الكروب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال قنبر:

يا أمير المؤمنين كان يجزيه عشرون درهما، فقال: يا قنبر والله ما يسرني أن لي زنة الدنيا ذهبا وفضة، فتصدقت به، وقبل الله مني ذلك، وإنه يسألني عن موقف هذا بين يدي.

وقال علي رضي الله تعالى عنه: إن لكل شيء ثمرة وثمرة المعروف تعجيل السراح. وقال مسلمة لنصيب:

سلني. فقال: كفك بالعطية أبسط من لساني بالمسألة، فقال لحاجبه: إدفع إليه ألف دينار.

وسأل رجل الحسن رضي الله تعالى عنه فقال له: ما وسيلتك؟ قال: وسيلتي أني أتيتك عام أول فبررتني، فقال: مرحبا بمن توسل إلينا بنا، ثم وصله وأكرمه. ويقال: الكريم إذا سئل ارتاح واللئيم إذا سئل ارتاع.

ولما وفد المهدي من الري إلى العراق امتدحه الشعراء، فقال أبو دلامة:

إني نذرت لئن رأيتك قادما ... أرض العراق وأنت ذو وقر «١»

لتصلينّ على النبيّ محمد ... ولتملأنّ دراهما حجري

فقال المهدي: صلى الله على محمد، فقال أبو دلامة:

ما أسرعك للأولى وأبطأك عن الثانية، فضحك وأمر له ببدرة، فصبت في حجره. وسمع الرشيد أعرابية بمكة تقول:

طحنتنا كلاكل الأعوام ... وبرتنا طوارق الأيام «٢»

فأتيناكمو نمدّ أكفّا ... لالتقام من زادكم والطعام

فاطلبوا الأجر والمثوبة فينا ... أيّها الزائرون بيت الحرام «٣»

فبكى الرشيد، وقال لمن معه: سألتكم بالله تعالى إلا ما دفعتم إليها صدقاتكم، فألقوا عليها الثياب حتى وارتها كثرة، وملأوا حجرها دارهم ودنانير.

وسأل اعرابي بمكة وأحسن في سؤاله، فقال: أخ في الله وجار في بلد الله وطالب خير من عند الله، فهل من أخ يواسيني في الله.

قال الشاعر:

ليس في كلّ وهلة وأوان ... تتهيا صنائع الإحسان

فإذا أمكنت فبادر إليها ... حذرا من تعذّر الإمكان

وقال البصري:

أضحت حوائجنا إليك مناخة ... معقولة برحابك الوصّال»

<<  <   >  >>