رضي الله تعالى عنه قال: كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال: ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فبسطنا أيدينا وكنا حديثي عهد بالمبايعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام يا رسول الله نبايعك؟ قال: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وتقيموا الصلوات الخمس، وتطيعوا الله، وأسرّ كلمة خفية وهي: ولا تسألوا الناس شيئا، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحدا يناوله إياه، رواه مسلم.
وقال رجل لابنه: إياك أن تريق ماء وجهك عند من لا ماء في وجهه.
وكان لقمان يقول لولده: يا بني إياك والسؤال فإنه يذهب ماء الحياء من الوجه، وأعظم من هذا استخفاف الناس بك. وأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: لأن تدخل يدك فم التنين إلى المرفق خير لك من أن تبسطها إلى غني قد نشأ في الفقر.
وقيل لأعرابي: ما السقم الذي لا يبرأ والجرح الذي لا يندمل؟ قال: حاجة الكريم إلى اللئيم.
وقال أبو محلم السعدي:
إذا رماك الدهر في الضيق فانتجع ... قديم الغنى في الناس إنّك حامده «١»
ولا تطلبنّ الخير ممّن أفاده ... حديثا ومن لا يورث المجد والده
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مسألة الناس من الفواحش ما أحلّ من الفواحش غيرها» . وقال عليه الصلاة والسلام:
«لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه» .
قال الشاعر:
ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله ... عوضا ولو نال الغنى بسؤال
وإذا السؤال مع النوال وزنته ... رجح السؤال وخفّ كل نوال
وقال أحمد الأنباري:
لموت الفتى خير من البخل للغنى ... وللبخل خير من سؤال بخيل
لعمرك ما شيء لوجهك قيمة ... فلا تلق إنسانا بوجه ذليل
وقال سلم الخاسر:
إذا أذن الله في حاجة ... أتاك النجاح على رسله
فلا تسأل الناس من فضلهم ... ولكن سل الله من فضله
ويقال: أحب الناس إلى الله من سأله وأبغض الناس إلى الناس من احتاج إليهم وسألهم، وفي هذا المعنى قيل:
لا تسألنّ من ابن آدم حاجة ... وسل الذي أبوابه لا تحجب «٢»
الله يغضب إن تركت سؤاله ... وبنيّ آدم حين يسأل يغضب
وقال محمود الوراق:
شاد الملوك قصورهم وتحصنوا ... من كل طالب حاجة أو راغب
فارغب إلى ملك الملوك ولا تكن ... ياذا الضراعة طالبا من طالب
وقال ابن دقيق العيد:
وقائلة مات الكرام فمن لنا ... إذا عضّنا الدهر الشديد بنابه
فقلت لها من كان غاية قصده ... سؤالا لمخلوق فليس بنابه
إذا مات من يرجى فمقصودنا الذي ... ترجّينه باق فلوذي ببابه
وقال بعض أهل الفضل:
لما افتقرت لصحبي ما وجدتهمو ... لجأت لله لبّاني وأغناني
واها على بذل وجهي للورى سفها ... فلو بذلت إلى مولاي والاني
وسأل رجل رجلا حاجة فلم يقضها فقال: سألت فلانا حاجة أقل من قيمته، فردني ردا أقبح من خلقته.
وسأل عروة مصعبا حاجة فلم يقضها فقال: علم الله تعالى أن لكل قوم شيخا يفزعون إليه وأنا أفزع منك «٣» .