ويقال: لا شيء أوجع للأخيار من الوقوف بباب الأشرار.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
بلوت بني الدنيا فلم أر فيهم ... سوى من غدا والبخل ملء إهابه «١»
فجردت من غمد القناعة صارما ... قطعت رجائي منهم بذبابه «٢»
فلا ذا يراني واقفا في طريقه ... ولا ذا يراني قاعدا عند بابه
غني بلا مال عن الناس كلّهم ... وليس الغنى إلّا عن الشيء لا به
إذا ما ظالم استحسن الظلم مذهبا ... ولجّ عتوا في قبيح اكتسابه «٣»
فكله إلى صرف الليالي فإنها ... ستبدي له ما لم يكن في حسابه «٤»
فكم قد رأينا ظالما متمردا ... يرى النجم تيها تحت ظلّ ركابه «٥»
فعمّا قليل وهو في غفلاته ... أناخت صروف الحادثات ببابه
فأصبح لا مال ولا جاه يرتجى ... ولا حسنات تلتقي في كتابه
وجوزي بالأمر الذي كان فاعلا ... وصبّ عليه الله سوط عذابه
وقال آخر:
لا تسألنّ إلى صديق حاجة ... فيحول عنك كما الزمان يحول
واستغن بالشيء القليل فإنّه ... ما صان عرضك لا يقال قليل
من عفّ خفّ على الصديق لقاؤه ... وأخو الحوائج وجهه مملول
وأخوك من وفّرت ما في كفّه ... ومتى علقت به فأنت ثقيل
وقال آخر:
ليس جودا أعطيته بسؤال ... قد يهزّ السؤال غير جواد
إنما الجود ما أتاك ابتداء ... لم تذق فيه ذلّة التّرداد
وقال آخر:
لا تحسبن الموت موت البلى ... إنما الموت سؤال الرجال
كلاهما موت ولكنّ ذا ... أخفّ من ذاك لذلّ السؤال
وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه:
قنعت بالقوت من زماني ... وصنت نفسي عن الهوان
خوفا من الناس أن يقولوا ... فضل فلان على فلان
من كنت عن ماله غنيّا ... فلا أبالي إذا جفاني
ومن رآني بعين نقص ... رأيته بالتي رآني
ومن رآني بعين تم ... رأيته كامل المعاني
والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الباب الرابع والخمسون في ذكر الهدايا والتحف وما أشبه ذلك
قال الله تعالى: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها
«٦» فسرها بعضهم بالهدية.
وقال صلى الله عليه وسلم: «تهادوا تحابوا فانها تجلب المحبة وتذهب الشحناء» . وقال صلى الله عليه وسلم: «الهدية مشتركة» . وقال صلى الله عليه وسلم: «من