للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان المختار بن أبي عبيدة الثقفي من دهاة ثقيف وثقيف دهاة العرب، قيل: أنه وجه إبراهيم بن الأشتر إلى حرب عبيد الله بن زياد، ثم دعا برجل من خواصه، فدفع إليه حمامة بيضاء وقال له: إن رأيت الأمر عليكم فأرسلها، ثم قال للناس: إني لأجد في محكم الكتاب، وفي اليقين والصواب أن الله ممدكم بملائكة غضاب صعاب، تأتي في صور الحمام تحت السحاب. فلما كادت الدائرة تكون على أصحابه عمد ذلك الرجل إلى الحمامة، فأرسلها، فتصايح الناس: الملائكة الملائكة وحملوا، فانتصروا وقتلوا ابن زياد.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: خرجت امرأتان ومعهما صبيان فعدا الذئب على صبي إحداهما فأكله، فاختصما في الصبي الباقي إلى داود عليه الصلاة والسلام فقال: كيف أمركما؟ فقصتا عليه القصة، فحكم به للكبرى منهما، فاختصما إلى سليمان عليه الصلاة والسلام فقال: ائتوني بسكين أشق الغلام نصفين لكل منهما نصف، فقالت الصغرى أتشقه يا نبي الله؟ قال: نعم، قالت: لا تفعل ونصيبي فيه للكبرى، فقال: خذيه، فهو ابنك، وقضى به لها «١» .

وجاء رجل إلى سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام، وقال: يا نبي الله إن لي جيرانا يسرقون أوزي، فلا أعرف السارق، فنادى الصلاة جامعة، ثم خطبهم وقال في خطبته: وإن أحدكم ليسرق أوز جاره، ثم يدخل المسجد والريش على رأسه، فمسح الرجل رأسه، فقال سليمان:

خذوه، فهو صاحبكم.

وخطب المغيرة بن شعبة وفتى من العرب امرأة، وكان شابا جميلا، فأرسلت إليهما أن يحضرا عندها، فحضرا وجلست بحيث تراهما وتسمع كلامهما، فلما رأى المغيرة ذلك الشاب، وعاين جماله علم أنها تؤثره عليه، فأقبل على الفتى وقال: لقد أوتيت جمالا، فهل عندك غير هذا؟

قال: نعم. فعدد محاسنه ثم سكت. فقال له المغيرة:

كيف حسابك مع أهلك؟ قال: ما يخفى عليّ منه شيء وإني لأستدرك منه أدق من الخردل. فقال المغيرة: لكني أضع البدرة في بيتي، فينفقها أهلي على ما يريدون فلا أعلم بنفادها حتى يسألوني غيرها. فقالت المرأة: والله لهذا الشيخ الذي لا يحاسبني أحب إليّ من هذا الذي يحصي علي مثقال الذرة، فتزوجت المغيرة.

وبلغ عضد الدولة أن قوما من الأكراد يقطعون الطريق، ويقيمون في جبال شامخة ولا يقدر عليهم، فاستدعى بعض التجار ودفع إليه بغلا عليه صندوقان فيهما حلوى مسمومة كثيرة الطيب في ظروف فاخرة، ودنانير وافرة، وأمره أن يسير مع القافلة ويظهر أن هذه هدية لإحدى نساء الأمراء، ففعل التاجر ذلك، وسار أمام القافلة، فنزل القوم، فأخذوا الأمتعة والأموال، وانفرد أحدهم بالبغل، وصعد به الجبل، فوجد به الحلوى، فقبح على نفسه أن ينفرد بها دون أصحابه، فاستدعاهم، فأكلوا على مجاعة، فماتوا عن آخرهم، وأخذ أرباب الأموال أموالهم.

وأتي لبعض الولاة برجلين قد اتهما بسرقة، فأقامهما بين يديه، ثم دعى بشربة ماء، فجيء له بكوز، فرماه بين يديه، فارتاع أحدهما وثبت الآخر، فقال للذي ارتاع: اذهب إلى حال سبيلك، وقال للآخر: أنت أخذت المال، وتلذذت به، وتهدده فأقر، فسئل عن ذلك، فقال: إن اللص قوي القلب، والبريء يجزع ولو تحرك عصفور لفزع منه.

وقصد رجل الحج، فاستودع إنسانا مالا، فلما عاد طلبه منه، فجحده المستودع، فأخبر بذلك القاضي أياسا، فقال: أعلم بأنك جئتني؟ قال: لا، قال: فعد إليّ بعد يومين، ثم إن القاضي إياسا بعث إلى ذلك الرجل، فأحضره، ثم قال له: إعلم أنه قد تحصلت عندي أموال كثيرة لأيتام وغيرهم وودائع للناس وإني مسافر سفرا بعيدا وأريد أن أودعها عندك لما بلغني من دينك وتحصين منزلك، فقال: حبا وكرامة. قال: فاذهب وهيىء موضعا للمال وقوما يحملونه، فذهب الرجل وجاء صاحب الوديعة، فقال له القاضي إياس: امض إلى صاحبك، وقل له إدفع إليّ مالي وإلا شكوكتك للقاضي أياس، فلما جاء، وقال له ذلك دفع إليه ماله واعتذر إليه، فأخذه وأتى إلى القاضي إياس وأخبره. ثم بعد ذلك أتى الرجل ومعه الحمالون لطلب الأموال التي ذكرها له القاضي، فقال له القاضي بعد أن أخذ الرجل ماله منه: بدا لي ترك السفر امض لشأنك لا أكثر الله في الناس مثلك.

ولما أراد شيرويه قتل أبيه ابرويز قال إبرويز للداخل عليه ليقتله: إني لأدلك على شيء فيه غناك لوجوب حقك عليّ. قال: وما هو؟ قال: الصندوق الفلاني فلما قتله وذهب إلى شيرويه وأخبره الخبر، فأخرج الصندوق فإذا فيه حق فيه حب، ورقعة مكتوب فيها: من تناول منه حبة

<<  <   >  >>