حيطانها بالمسك والعنبر وجعل فيها جنة مزخرفة له وجعل أشجارها الزمرد واليواقيت وسائر أنواع المعادن، ونصب عليها أنواع الطيور المسموعة الصادح والمغرد، وغير ذلك، ثم بنى حول المدينة مائة ألف منارة برسم الحراس الذين يحرسون المدينة، فلما كمل بناؤها أمر في مشارق الأرض ومغاربها أن يتخذوا في البلاد بسطا وستورا وفرشا من أنواع الحرير لتلك القصور والغرف، وأمر باتخاذ أواني الذهب والفضة، فاتخذوا جميع ما أمر به، فلما فرغوا من ذلك جميعه خرج شداد من حضرموت في أهل مملكته، وقصد مدينة إرم ذات العماد، فلما أشرف عليها ورآها قال: قد وصلت إلى ما كان هود يعدني به بعد الموت، وقد حصلت عليه في الدنيا، فلما أراد دخولها أمر الله تعالى ملكا، فصاح بهم صيحة الغضب، وقبض ملك الموت أرواحهم في طرفة عين، فخروا على وجوههم صرعى. قال الله تعالى: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى ٥٠
«١» .
وذلك قبل هلاك عاد بالريح العقيم، وأخفى الله تعالى تلك المدينة عن أعين الناس، فكانوا يرون بالليل في تلك البرية التي بنيت فيها معادن الذهب والفضة واليواقيت تضيء كالمصابيح، فإذا وصلوا إليها لم يجدوا هناك شيئا «٢» .
وقد نقل أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له عبد الله بن قلابة الأنصاري دخل إليها وذلك أنه ضلت له إبل، فخرج في طلبها، فوصل إليها فلما رآها دهش وبهت ورأى ما أذهله وحيره، وقال في نفسه: هذه تشبه الجنة التي وعد الله بها عباده المتقين في الآخرة، فقصد بابا من أبوابها، فلما وصل إليه أناخ راحلته، ودخل المدينة، فرأى تلك القصور والأنهار والأشجار، ولم ير في المدينة أحدا. فقال: أرجع إلى معاوية وأخبره بهذه المدينة وما فيها، ثم حمل معه شيئا من تلك الجواهر واليواقيت في وعاء، وجعله على راحلته وعلم على المدينة علامة، وقال قربها من جبل عدن كذا، ومن الجهة الفلانية كذا، ثم انصرف عنها بعدما ظفر بإبله، ثم دخل على معاوية رضي الله تعالى عنه بدمشق، وأخبره بجميع ما رآه، فقال له معاوية: في اليقظة رأيتها أم في المنام؟ قال: بل في اليقظة، وقد حملت من حصبائها وأخرج له شيئا مما حمله من الجواهر واليواقيت فتعجب معاوية من ذلك، ثم أرسل إلى كعب الأحبار رضي الله تعالى عنه، فلما دخل عليه قال له معاوية يا أبا إسحاق: هل بلغك أن في الدنيا مدينة من ذهب؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، وقد ذكرها الله عز وجل في القرآن لنبيه صلى الله عليه وسلم بقوله عز من قائل: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ ٦ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ ٧
«٣» . وقد أخفاها الله تعالى عن أعين الناس، وسيدخلها رجل من هذه الأمة يقال له عبد الله بن قلابة الأنصاري، ثم التفت، فرأى عبد الله بن قلابة فقال: ها هو يا أمير المؤمنين، وصفه واسمه في التوراة «٤» ، ولا يدخلها أحد بعده إلى يوم القيامة. وقيل: إن ذلك كان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وأن الرجل الذي دخلها حكى ذلك لعمر بن الخطاب فلم ينكره ولا من كان حاضرا بل قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال يدخلها بعض أمتي «٥» ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومن المباني العجيبة الخورنق: الذي بناه النعمان بن امرىء القيس وهو النعمان الأكبر بناه في عشرين سنة، فلما انتهى أعجبه، فخشي أن يبنى لغيره مثله، فأمر أن يلقى بانيه من أعلاه، فألقوه فتقطع، واسم بانيه سنمار، فصارت العرب تضرب به المثل. يقولون جزاه جزاء سنمار. قال الشاعر:
جازى بنوه أبا الغيلان عن كبر ... وحسن فعل كما يجزى سنمار
ومن المباني العجيبة حائط العجوز: واسمها دلوك القبطية، وسبب بنائها لذلك أنها ولدت ولدا، فأخذت له الرصد، فقيل لها يخشى عليه من التمساح، فلما شب الغلام خافت عليه، فبنت الحائط وجعلته من العريش إلى إسوان شاملا لكورة مصر من الجانب الشرقي، وقيل: بنته خوفا على مصر وأهلها بعد غرق فرعون أن يطمع الملوك فيها، وقد قيل إنها أرادت أن تخوف ولدها من التمساح حتى لا ينزل البحر، فصورت له صورة التمساح، فرآه شكلا مهولا، فأذهله، وأخذه الفزع والهم فضعف وانسل إلى أن مات. لا مفر من قضاء الله تعالى.
ومن المباني العجيبة الأهرام: وهي بالجانب الغربي من مصر مشاهدة في زماننا هذا. قيل أن دور الهرم الأكبر من