الثلاثة ألفا ذراع من كل جهة خمسمائة ذراع وعلوه خمسمائة ذراع، وقد ذهب المأمون إلى مصر حتى شاهدها على ما ذكر، وفتح منها هرما، وتعجب من بنيانها وصفتها قيل: إن كل حجر من حجارتها ثلاثون ذراعا في عرض عشرة أذرع، وقد أحكم إلصاقه ونحته وتسويته ولا يقدر النجار الصانع أن يتخذ من خشب صندوقا صغيرا على إحكامه، وهي من عجائب الدنيا.
قال بعضهم:
أين الذي الهرمان من بنيانه ... ما قومه ما يومه ما المصرع
تتخلّف الآثار عن سكانها ... حينا ويدركها الفناء فتصرع
وزعم قوم أن الأهرام الموجودة بمصر قبور لملوك عظام أرادوا أن يتميزوا بها عن الناس بعد مماتهم كما تميزوا عنهم في حياتهم، ورجوا أن يبقى ذكرهم بسببها على تطاول الدهور وتراخي العصور. ولما وصل المأمون إلى مصر أمر بنقبها، فنقب أحدها بعد جهد شديد وعناء طويل، فوجد داخله مزاليق ومهاوي يهول أمرها ويعسر السلوك فيها، ووجد في أعلاه بيت وفي وسطه حوض من رخام مطبق، فلما كشف غطاؤه لم يوجد فيه إلا رمة بالية، فعند ذلك أمر المأمون بالكف عما سواه.
ويقال: إن الذي بناها اسمه سوريد بن سهراق بن سرياق لرؤيا رآها وهي آفة تنزل من السماء وهي الطوفان، فقالوا: إنه بناها في ستة أشهر وقال: قلّ لمن يأتي بعدنا يهدمها في ستمائة سنة، والهدم أيسر من البنيان، وكسوناها الديباج الملون، فليكسها حصرا، والحصر أهون من الديباج، والأمر فيها عجيب جدا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومن المباني العجيبة منار الاسكندرية التي بناها ذو القرنين، قيل: إنها كانت مبنية بحجارة منهدمة مغموسة في الرصاص فيها نحو من ثلاثمائة بيت تصعد الدابة بحملها إلى كل بيت، وللبيوت طاقات تطل على البحر ويقال: إن طولها كان ألف ذراع، وفي أعلاها تماثيل من نحاس منها تمثال رجل قد أشار بيده إلى البحر، فإذا صار العدو على نحو ليلة منه سمع له تصويت يعلم به أهل المدينة مجيء العدو، فيستعدون له، ومنها تمثال كلما مضى من الليل ساعة صوّت تصويتا مطربا، ويقال: إنه كان بأعلاها مرآة من الحديد الصيني عرضها سبعة أذرع كانوا يرون فيها المراكب بجزيرة قبرص، وقيل: كانوا يرون فيها من يخرج من البحر من جميع بلاد الروم، فإن كانوا أعداء تركوهم حتى يقربوا من المدينة، فإذا مالت الشمس للغروب أداروا المرآة مقابلة الشمس، واستقبلوا بها السفن، فيقع شعاعها بضوء الشمس على السفن فتحرق في البحر، ويهلك كل من فيها، وكانت الروم تؤدي الخراج ليأمنوا بذلك من إحراق السفن، ولم تزل كذلك إلى زمن الوليد بن عبد الملك.
قال المسعودي: قيل إن ملكا من الروم تحيل على الوليد وأظهر أنه يريد الإسلام، وأرسل إليه تحفا، وهدايا، وأظهر له بواسطة حكماء كانوا عنده أن ببلاده دفائن، وأرسل له بذلك قسيسين من خواصه، وأرسل معهم أموالا قيل إنهم حفروا بقرب المنارة ودفنوا تلك الأموال وقالوا للوليد: إن تحت المنارة كنوزا لا تنفذ وبإزائها خبية بها كذا وكذا ألف دينار، فأمرهم باستخراج ما بالقرب من المنارة، فإن كان ذلك حقا استخرجوا ما تحت المنارة بعد هدمها فحفروا واستخرجوا ما دفنوه بأيديهم، فعند ذلك أمر الوليد بهدم المنارة واستخراج ما تحتها فهدموها، فلم يجدوا تحتها شيئا، وهرب أولئك القسيسون، فعلم الوليد أنها مكيدة عليه، فندم على ذلك غاية الندم، ثم أمر ببنائها بالآجر ولم يقدروا أن يرفعوا إليها تلك الحجارة، فلما أتموها نصبوا عليها المرآة كما كانت، فصدئت، ولم يروا فيها شيئا مثل ما كانوا يرون أولا، وبطل إحراقها، فندموا على ما فعلوا، وفاتهم من جهلهم وطمعهم نفع عظيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقد عملت الجن لسليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام في الإسكندرية مجلسا على أعمدة من الجزع اليماني المصقول كالمرآة إذا نظر الإنسان إليها يرى من يمشي خلفه لصفائها، وفي وسط ذلك المجلس عمود من الرخام طوله مائة وأحد عشر ذراعا، وفي تلك الأعمدة عمود واحد يتحرك شرقا وغربا بطلوع الشمس وغروبها يشاهد الناس ذلك ولا يعلمون ما سببه.
وفي مدينة حمص مدينة أخرى تحت المدينة المسكونة العليا فيها من عجائب البنيان والبيوت والغرف والماء الجاري في كل طريق من طرقها ما لا يعلمه إلا الله تعالى.
وعند حوران مدينة عظيمة يقال لها: اللجأة فيها من البنيان ما يعجز عن وصفه ألسنة العقلاء. كل دار منها مبنية من الصخر المنحوت ليس في الدار «١» خشبة واحدة بل