للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبوابها وغرفها، وسقوفها وبيوتها من الصخر المنحوت الذي لا يستطيع أحد أن يعمله من الخشب، وفي كل دار بئر وطاحون، وكل دار مفردة لا يلاصقها دار أخرى، وكل دار كالقلعة الحصينة إذا خاف تلك النواحي من العدو دخلوا إلى تلك المدينة، فينزل كل إنسان في دار بجميع عياله وخيله، وغنمه وبقره، ويغلق بابه، ويجعل خلف الباب حصاة فلا يقدر أحد على فتح ذلك الباب لإحكامه، وفي هذه المدينة أكثر من مائتي ألف دار، فيما يقال، ولا يعلم أحد من بناها، وسمتها العرب اللجأة لأنهم يلجأون إليها عند الخوف.

ومن المباني العجيبة إيوان كسرى أنو شروان: بناه سابور ذو الأكتاف في نيف وعشرين سنة، وطوله مائة ذراع في عرض خمسين بناه بالآجر، والجص، وجعل طول كل شرافة من شراريفه خمسة عشر ذراعا، ولما ملك المسلمون المدائن أحرقوا هذا الإيوان، فأخرجوا منه ألف دينار ذهبا.

وحكي أن المنصور لما أراد بناء بغداد عزم على هدمه وأن يجعل آلته في بنائه، فقيل له: إن نقضه يتكلف بقدر العمارة، فلم يسمع وهدم شرافة، وحسب ما أنفق عليه، فوجد الأمر كذلك، وقيل إن بعض رؤساء مملكته قال له لما أراد هدمه: هو آية الإسلام، فلا تهدمه.

وحكي أنه كان بمدينة قيسارية كنيسة بها مرآة إذا اتهم الرجل امرأته بزنا نظر في تلك المرآة، فيرى صورة الزاني، فاتفق أن بعض الناس قتل غريمه، فعمد أهله إليها، فكسروها والله سبحانه وتعالى أعلم، وقد اقتصرت من ذلك على هذا القدر اليسير، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

الباب السابع والستون في ذكر المعادن والأحجار وخواصها

المعادن لا تكاد تحصى لكن منها ما يعرفه الناس ومنها ما لا يعرفونه وهي مقسومة إلى ما يذوب وإلى ما لا يذوب، والذي اشتهر بين الناس من المعادن سبعة:

وهي الذهب والفضة والنحاس والحديد والقصدير والأسرب والخارصيني.

ولنبدأ أولا بذكر (الذهب) فقيل طبعه حار لطيف لشدة اختلاط أجزائه المائية بالترابية. قيل: إن النار لا تقدر على تفريق أجزائه فلا يحترق ولا يبلى ولا يصدأ، وهو لين براق، حلو الطعم، أصفر اللون، فالصفرة من ناريته، والليونة من دهنيته، والبراقة من صفاء مائه.

خواصه: يقوي القلب ويدفع الصرع تعليقا، ويمنع الفزع والخفقان ويقوي العين كحلا ويجلوها إذا كان ميلا، ويحسن نظرها وإذا ثقبت به الأذن لم تلتحم وإذا كوى به لم ينفط ويبرأ سريعا، وإمساكه في الفم يزيل البخر.

(الفضة) قريبة منه وتصدأ وتحترق وتبلى بالتراب، وإذا أصابتها رائحة الرصاص والزئبق تكسرت أو رائحة الكبريت اسودت.

ومن خواصها: أنها تزيل البخر من الفم إذا وضعت فيه، وإذا أذيبت مع الزئبق وطلي بها البدن نفع ذلك من الحكة والجرب وعسر البول.

(النحاس) قريب منها لكنه أيبس، وأغلظ في الطبع.

ومن خواصه: إذا صدىء وطلي بالحامض زال صدؤه، والأكل في آنيته يولد أمراضا لا دواء لها.

(الحديد) كثير الفائدة إذ ما من صنعة إلا وله فيها مدخل.

ومن خواصه: أنه يمنع غطيط النائم إذا علق عليه وحمله يقوي القلب ويزيل الخوف والأفكار والأحلام الرديئة، ويسر النفس، وصدؤه ينفع أمراض العين كحلا والبواسير تحملا.

(القصدير) صنف من الفضة دخل عليه آفات من الأرض.

ومن خواصه: أنه إذا ألقي في قدر لم ينضج ما فيها.

(الأسرب) هو الرصاص. (ومن خواصه) : أنه يكسر الماس، ومن خواص الماس الدخول في كل شيء، وإذا شد من الرصاص قطعة على الخنازير، والغدد أبرأتها.

(الخارصيني) حجر لونه أسود، لونه يعطي حمرة.

ومن خواصه: إذا عمل منه مرآة ونظر فيها في الظلمات نفعت للقوة وإذا نتف الشعر بملقاط منه لم ينبت.

الأحجار الجوهرية:

أصل الجوهر، وهو الدر على ما قيل أن حيوانا يصعد من البحر على ساحله وقت المطر ويفتح أذنه يلتقط بها المطر، ويضمها ويرجع إلى البحر، فينزل إلى قراره ولا يزال طابقا أذناه على ما فيها خوفا أن يختلط بأجزاء البحر

<<  <   >  >>