أيسرك أن تظفر بها الليلة؟ قال: نعم والذي أمتعني بحبها وأشقاني بطلبها. قيل، فما كنت صانعا بها قال: كنت أطيع الحب في لثمها وأعصي الشيطان في إثمها، ولا أفسد عشق عشرين سنة بما يبقى ذميم عاره، وينشر قبيح أخباره، إني إذن للئيم لم يلدني كريم.
ومر سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه في ليلة في بعض سكك المدينة، فسمع امرأة تقول:
ألا طال هذا الليل وازوّر جانبه «١» ... وليس إلى جنبي خليل ألا عبه
فو الله لولا الله تخشى عواقبه ... لحرك من هذا السرير جوانبه
مخافة ربّي والحياء يعفّني ... وإكرام بعلي أن تنال مراتبه
قال، فسأل عمر رضي الله تعالى عنه عنها، فقيل له:
إنها امرأة فلان، وله في الغزاة ثمانية أشهر، فأمر عمر رضي الله تعالى عنه أن لا يغيب الرجل عن امرأته أكثر من أربعة أشهر.
ومن ذلك ما ذكره ابن الجوزي في كتاب تلقيح فهوم الأثر عن محمد بن عثمان بن أبي خيثمة السلمي عن أبيه عن جده قال: بينما عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يطوف ذات ليلة في سكك المدينة إذ سمع امرأة تقول:
هل من سبيل إلى خمر فأشربها ... أم من سبيل إلى نصر بن حجاج
إلى فتى ماجد الأعراق مقتبل ... سهل المحيا كريم غير ملجاج «٢»
تنميه أعراق صدق حين تنسبه ... أخي وفاء عن المكروب فرّاج
فقال عمر رضي الله تعالى عنه: لا أرى معي بالمدينة رجلا تهتف به العواتق «٣» في خدورهن «٤» . عليّ بنصر بن حجاج، فلما أصبح أتي بنصر بن حجاج، فإذا هو من أحسن الناس وجها وأحسنهم شعرا، فقال عمر: عزيمة من أمير المؤمنين لتأخذن من شعرك، فأخذ من شعره، فخرج من عنده وله وجنتان كأنهما شقتا قمر، فقال له:
اعتم فاعتم، فافتتن الناس بعينيه، فقال له عمر: والله لا تساكنني في بلدة أنا فيها، فقال يا أمير المؤمنين: ما ذنبي؟
قال: هو ما أقول لك، ثم سيره إلى البصرة وخشيت المرأة التي سمع منها عمر ما سمع أن يبدر من عمر إليها شيء فدست إليه المرأة أبياتا وهي:
قل للإمام الذي تخشى بوادره ... مالي وللخمر أو نصر بن حجاج
لا تجعل الظنّ حقّا أن تبيّنه ... إن السبيل سبيل الخائف الراجي
إن الهوى زمّ بالتقوى فتحبسه ... حتى يقرّ بإلجام وإسراج
قال، فبكى عمر رضي الله تعالى عنه وقال: الحمد لله الذي زم الهوى بالتقوى قال: وطال مكث نصر بن حجاج بالبصرة، فخرجت أمه يوما بين الأذان والإقامة متعرضة لعمر فإذا هو قد خرج في إزار ورداء وبيده الدرة، فقالت له: يا أمير المؤمنين والله لأقفن أنا وأنت بين يدي الله تعالى، وليحاسبك الله أيبيتن عبد الله وعاصم إلى جنبيك، وبيني وبين ابني الفيافي، والأودية، فقال لها: إن ابني لم تهتف بهما العواتق في خدورهن، ثم أرسل عمر إلى البصرة بريدا إلى عتبة بن غزوان فأقام أياما ثم نادى عتبة من أراد أن يكتب إلى أمير المؤمنين، فليكتب، فإن البريد خارج، فكتب نصر بن حجاج: بسم الله الرحمن الرحيم سلام عليك يا أمير المؤمنين أما بعد، فاسمع مني هذه الأبيات:
لعمري لئن سيرتني أو حرمتني ... وما نلت من عرضي عليك حرام
فأصبحت منفيّا على غير ريبة ... وقد كان لي بالمكّتين مقام
لئن غنت الذلفاء يوما بمنية ... وبعض أماني النساء غرام
ظننت بي الظن الذي ليس بعده ... بقاء ومالي جرمة فألام
فيمنعني ممّا تقول تكرّمي ... وآباء صدق سالفون كرام
ويمنعها ممّا تقول صلاتها ... وحال لها في قومها وصيام
فهاتان حالانا فهل أنت راجعي ... فقد جبّ مني كاهل وسنام «٥»