للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال آخر:

يقول لا تنظر فذاك بلية ... بلى كل ذي عينين لا بدّ ناظر

وهل باكتحال العين بالعين ريبة ... إذا عفّ فيما بينهنّ السرائر «١»

وكان بعض الخلفاء قد نذر على نفسه أن لا ينشد شعرا، ومتى أنشد بيت شعر فعليه عتق رقبة. قال: فبينما هو في الطواف يوما إذ نظر إلى شاب يتحدث مع شابة جميلة الوجه، فقال له: يا هذا اتق الله أفي مثل هذا المكان؟ فقال يا أمير المؤمنين: والله ما ذاك لخنى، ولكنها ابنة عمي وأعز الناس عليّ وإن أباها منعني من تزوجها لفقري وفاقتي، وطلب مني مائة ناقة، ومائة أوقية من الذهب، ولم أقدر من ذلك. قال: فطلب الخليفة أباها، ودفع إليه ما اشترطه على ابن أخيه، ولم يقم من مقامه حتى عقد له عليها، ثم دخل الخليفة إلى بيته وهو يترنم ببيت من الشعر، فقالت له جارية من حظاياه: أراك اليوم ما مولاي تنشد الشعر، أفنسيت ما نذرت أم تراك قد هويت، فأنشد هذه الأبيات يقول:

تقول وليدتي لما رأتني ... طربت وكنت قد أسليت حينا

أراك اليوم قد أحدثت عهدا ... وأورثك الهوى داء دفينا

بحقك هل سمعت لها حديثا ... فشاقك أو رأيت لها جبينا

فقلت شكا إليّ أخ محبّ ... كمثل زماننا إذ تعلمينا

وذو الشجو القديم وإن تعزّى ... محبّ حين يلقى العاشقينا

ثم عدّ الأبيات فإذا هي خمسة أبيات، فأعتق خمس رقاب، ثم قال: لله درك من خمسة أعتقت خمسة، وجمعت بين رأسين في الحلال «٢» .

وروي عن عثمان الضحاك قال: خرجت أريد الحج فنزلت بخيمة بالأبواء فإذا بجارية جالسة على باب الخيمة، فأعجبني حسنها فتمثلت بقول نصيب.

بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب ... وقل لا تملينا فما ملّك القلب

فقالت: يا هذا أتعرف قائل هذا البيت؟ قلت: بلى هو نصيب، فقالت: أتعرف زينبه؟ قلت: لا. قالت: أنا زينبه. قلت: حياك الله وحباك. قالت: أما والله إن اليوم موعده، وعدني العام الأول بالاجتماع في هذا اليوم، فلعلك أن لا تبرح حتى تراه. قال: فبينما هي تكلمني إذا أنا براكب قالت: ترى ذلك الراكب؟ قلت: نعم. قالت:

إني لأحسبه إياه، فأقبل فإذا هو نصيب، فنزل قريبا من الخيمة، ثم أقبل فسلم، ثم جلس قريبا منها، فسألته أن ينشدها، فأنشدها، فقلت في نفسي: محبان قد طال التنائي بينهما، فلا بد أن يكون لأحدهما إلى صاحبه حاجة، فقمت إلى بعيري لأشد عليه، فقال: على رسلك إني معك، فجلست حتى نهض معي فسرنا وتسامرنا، فقال لي: أقلت في نفسك محبان التقيا بعد طول تناء فلا بد أن يكون لأحدهما إلى صاحبه حاجة. قلت: نعم قد كان ذلك. قال: ورب البيت منذ أحببتها ما جلست منها مجلسا هو أقرب من مجلسي هذا، فتعجبت لذلك، وقلت: والله هذه هي العفة في المحبة.

وعن محمد بن يحيى المدني قال: سمعت بعض المدنيين يقول: كان الرجل إذا أحب الفتاة يطوف حول دارها حولا يفرح أن يرى من يراها، فإن ظفر منها بمجلس تشاكيا وتناشدا الأشعار، واليوم هو يشير إليها، وتشير إليه ويعدها وتعده، فإن التقيا لم يتشاكيا حبا ولم يتناشدا شعرا بل يقوم إليها، ويجلس بين شعبتيها كأنه أشهد على نكاحها أبا هريرة.

وقال الأصمعي: قلت لأعرابية: ما تعدون العشق فيكم؟ قالت: الضمة والغمزة والقبلة، ثم أنشأت تقول:

ما الحبّ إلّا قبلة ... وغمز كف وعضد

ما الحبّ إلّا هكذا ... إن نكح الحبّ فسد

ثم قالت: كيف تعدون أنتم العشق؟ قلت: نمسك بقرنيها ونفرق بين رجليها. قالت: لست بعاشق أنت طالب ولد، ثم أنشأت تقول:

قد فسد العشق وهان الهوى ... وصار من يعشق مستعجلا

يريد أن ينكح أحبابه ... من قبل أن يشهد أو ينحلا

وقيل لرجل: وقد زفت عشيقته على ابن عم لها:

<<  <   >  >>