للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استخفاف بنا أم هوى الجارية، قال: وحق رأسك يا أمير المؤمنين وعظم قدرك ما هو إلا هوى الجارية فقال: هي لك بما أعددته لها فأخذها الغلام بكل ما أعده لها أمير المؤمنين من الحلي والحلل وسار بها فرحا مسرورا إلى نحو أهله حتى إذا كانا ببعض الطريق نزلا بمرحلة ليلا فتعانقا وناما فلما أصبح الصباح وأراد الناس السير نبهوهما فوجدوهما ميتين فبكوا عليهما ودفنوهما بالطريق ووصل خبرهما إلى عبد الملك فبكى عليهما وتعجب من ذلك.

ومن ذلك ... ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخرج خالد بن الوليد المخزومي رضي الله تعالى عنه إلى مشركي خزاعة قال خالد: فأخرجني إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف فارس من أهل النجدة والبأس قال: فجد بنا المسير إليهم فسبق إليهم الخبر فخرجوا إلينا فقاتلناهم قتالا شديدا حتى تعالى النهار وطار الشرار وهاجت الفرسان وتلاحمت الأقران فلولا الله تعالى أيدنا بنصره لكادت الدائرة أن تكون علينا ولكن تداركنا الله برحمة منه فهزمناهم وقتلناهم قتلا ذريعا ولم ندع لهم فارسا إلا قتلناه. ثم طلبنا البيوت فنهبنا وسبينا. فلما هدأ القتال والنهب أمرت أصحابي بجمع السبايا لنقدم بهن على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما خرجنا وأحصيناهم، خرج منهم غلام لم يراهق الحلم، ولم يجر عليه القلم، وهو ماسك بشابة جميلة فقلنا له: يا غلام انعزل عن النساء فصاح صيحة مزعجة وهجم علينا فو الله لقد قتل منا في بقية نهارنا مائة رجل، قال خالد: فرأيت أصحابي قد كرهوا قتاله، وتأخروا عنه فملك منهم جوادا وعلا على ظهره ونادى: البراز يا خالد قال: فبرزت إليه بنفسي بعد أن أنشدت شعرا فو الله لم يمهلني حتى أتم شعري بل حمل علي فتطاعنا حتى تكسرت القنا وتضاربنا بالسيوف حتى تفللت فوالله لقد اقتحمت الأهوال ومارست الأبطال فما رأيت أشد من حملاته ولا أسرع من هجماته فبينما نحن نعترك إذ كبا به فرسه فصار بين قوائمه فوثبت عليه وعلوت على صدره وقلت له: إفد نفسك بقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأنا أردك من حيث جئت، قال: يا خالد ما أنصفتني أتركني حتى أجد من نفسي القوة، قال خالد: فتركته، وقلت: لعله أن يسلم ثم شددته وثاقا وصفدته بالحديد وأنا أبكي إشفاقا على حسن شبابه ثم أوثقته على بعير لي فلما علم أن لا خلاص له قال: يا خالد سألتك بحق إلهك إلا ما شددت ابنة عمي على ناقة أخرى إلى جانبي؟ قال خالد: فأخذتها وشددتها على ناقة أخرى إلى جانبه ووكلت بهما جماعة من أشد القوم بالقواضب والرماح وسرنا، فلما استقامت مطاياهما جعل الغلام والجارية يتناشدان الأشعار ويبكيان إلى آخر الليل فسمعته يذكر قصيدة يسب فيها الإسلام ويذكر أن لا يسلم أبدا فأخذت السيف وضربته فرميت رأسه فصاحت الجارية وأكبت صارخة فحركتها فوجدتها ميتة فأبركنا الأباعر وحفرنا ودفناهما فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبلنا نحدثه بعجيب ما رأينا مع الغلام فقال: لا تحدثوني شيئا أنا أحدثكم به فقلنا: من أعلمك به يا رسول الله؟

قال: أخبرني جبريل عليه السلام وتعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم من موافقتهما وموافقة أجلهما.

ومن ذلك، ما حكاه الثوري، قال: حدثني جبلة بن الأسود وما رأيت شيخا أصبح ولا أوضح منه قال:

خرجت في طلب إبل لي ضلت، فما زلت في طلبها إلى أن أظلم الظلام، وخفيت الطريق، فسرت أطوف وأطلب الجادة فلا أجدها فبينما أنا كذلك إذ سمعت صوتا حسنا بعيدا وبكاء شديدا فشجاني حتى كدت أسقط عن فرسي؛ فقلت: لأطلبن الصوت ولو تلفت نفسي فما زلت أقرب إليه إلى أن هبطت واديا فإذا راع قد ضم غنما له إلى شجرة وهو ينشد ويترنم:

وكنت إذا ما جئت سعدى أزورها ... أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها

من الخفرات البيض ودّ جليسها ... إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها

قال فدنوت منه وسلمت عليه فرد السلام وقال: من الرجل؟ فقلت: منقطع به الممالك، أتاك يستجير بك، ويستعينك، قال: مرحبا وأهلا انزل على الرحب والسعة فعندي وطاء وطيء وطعام غير بطيء. فنزلت فنزع شملته وبسطها تحتي ثم أتاني بتمر وزبد ولبن وخبز ثم قال:

اعذرني في هذا الوقت. فقلت: والله ان هذا لخير كثير.

فمال إلى فرسي فربطه وسقاه وعلفه فلما أكلت توضأت وصليت واتكأت فإني لبين النائم واليقظان إذ سمعت حس شيء وإذا بجارية قد أقبلت من كبد الوادي فضحت الشمس حسنا فوثب قائما إليها وما زال يقبل الأرض حتى وصل إليها وجعل يتحادثان. فقلت: هذا رجل عربي ولعلها حرمة له، فتناومت وما بي نوم فما زالا في أحسن حديث ولذة مع شكوى وزفرات إلا أنهما لا يهم أحدهما لصاحبه بقبيح فلما طلع الفجر عانقها وتنفسا الصعداء وبكى وبكت ثم قال لها: يا ابنة العم سألتك بالله لا تبطئي عني كما أبطأت الليلة، قالت: يا ابن العم أما علمت أني

<<  <   >  >>