فلا حبّ حتى يلصق الجلد بالحشى ... وتخرس حتى لا تجيب المناديا
وقال آخر:
قالت لطيف خيال زارني ومضى ... بالله صفه ولا تنقص ولا تزد
فقال خلّفته لو مات من ظمإ ... وقلت قف عن ورود الماء لم يرد
قالت عهدت الوفا والصدق شميته ... يا برد ذاك الذي قالت على كبدي «١»
كمال الدين بن النبيه:
أما وبياض مبسمك النقي ... وسمرة مسكة اللمس الشهي
ورمّان من الكافور تعلو ... عليه طوابع الندّ الندي
وقدّ كالقضيب إذا تثنّى ... خشيت عليه من ثقل الحلي
لقد أسقمت بالهجران جسمي ... وأعطشني وصالك بعد ريّي
إلى كم أكتم البلوى ودمعي ... يبوح بمضمر السر الخفي
وكم أشكو للاهية غرامي ... فويل للشجي من الخلي
صفي الدين الحلي:
أبت الوصال مخافة الرّقباء ... وأتتك تحت مدارع الظلماء «٢»
أصفتك من بعد الصدود مودة ... وكذا الدواء يكون بعد الداء
أحيت بزورتها النفوس وطالما ... ضنّت بها فقضت على الأحياء
أمّت بليل والنجوم كأنها ... درّ بباطن خيمة زرقاء
أمست تعاطيني المدام وبيننا ... عتب غنيت به عن الصهباء
آبت إلى جسدي لتنظر ما انتهت ... من بعدها فيه يد البرحاء
ألفت به وقع الصفاح فراعها ... جزعا وما نظرت جراح حشائي «٣»
أمصيبة منّا بنبل لحاظها ... ما أخطأته أسنّة الأعداء
أعجبت ممّا قد رأيت وفي الحشا ... أضعاف ما عاينت في الأعضاء
أمسي ولست بسالم من طعنة ... نجلاء أو من مقلة نجلاء
وله رحمه الله تعالى:
قفي ودعينا قبل وشك التّفرّق ... فما أنا من يحيا إلى حين نلتقي
قضيت وما أودى الحمام بمهجتي ... وشبت وما حلّ البياض بمفرقي
قنعت أنا بالذل في مذهب الهوى ... ولم تفرقي بين المنعّم والشّقي
قرنت الرضا بالسخط والقرب بالنوى ... ومزّقت شمل الوصل كلّ ممزّق
قبلت وصايا الهجر من غير ناصح ... وأحببت قول الهجر من غير مشفق
قطعت زماني بالصّدود وزرتني ... عشية زمّت للترحّل أينقي «٤»
قضى الدهر بالتفريق فاصطبري له ... ولا تذممي أفعاله وترفّقي
وقال عفا الله عنه:
جاءت لتنظر ما أبقت من النهج ... فعطّرت سائر الأرجاء بالأرج «٥»
جلت علينا محيّا لو جلته لنا ... في ظلمة الليل أغنتنا عن السرج «٦»
حوريّة الخد تحمي ورد وجنتها ... بحارس من نبال الغنج والدّعج
جزت إساءة أفعالي بمغفرة ... فكان غفرانها يغني عن الحجج