وجهني الحجاج بن يوسف في طلب أنس بن مالك، فظننت أنه يتوارى عني، فأتيته بخيلي ورجلي، فإذا هو جالس على باب داره مادا رجليه، فقلت له: أجب الأمير، فقال: أي الأمراء؟ فقلت أبو محمد الحجاج، فقال غير مكترث به: قد أذله الله ما أراني أعزه لأن العزيز من عز بطاعة الله، والذليل من ذل بمعصية الله، وصاحبك قد بغى وطغى واعتدى وخالف كتاب الله والسنة، والله لينتقم الله منه، فقلت له: أقصر عن الكلام وأجب الأمير، فقام معنا حتى حضر بين يدي الحجاج، فقال له: أنت أنس بن مالك؟ قال: نعم. قال: أنت الذي تدعو علينا وتسبنا؟
قال: نعم، قال: ومم ذاك؟ قال: لأنك عاص لربك مخالف لسنة نبيك تعز أعداء الله وتذل أوليائه. فقال له:
أتدري ما أريد أن أفعل بك؟ قال: لا، قال: أريد أن أقتلك شر قتلة، قال: أنس لو علمت أن ذلك بيدك لعبدتك من دون الله، قال الحجاج: ولم ذاك؟ قال: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمني دعاء، وقال من دعا به في كل صباح لم يكن لأحد عليه سبيل، وقد دعوت به في صباحي هذا.
فقال الحجاج: علمنيه؟ فقال: معاذ الله أن أعلمه لأحد ما دمت أنت في الحياة. فقال الحجاج: خلوا سبيله. فقال الحاجب: أيها الأمير لنا في طلبه كذا وكذا يوما حتى أخذناه، فكيف تخلي سبيله؟ قال: رأيت على عاتقه أسدين عظيمين فاتحين أفواههما. ثم أن أنسا رضي الله عنه لما حضرته الوفاة علم الدعاء لأخوانه وهو: بسم الله الرحمن الرحيم باسم الله خير الأسماء باسم الله الذي لا يضر مع اسمه أذى، باسم الله الكافي، باسم الله المعافي باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، باسم الله على نفسي وديني باسم الله على أهلي ومالي باسم الله على كل شيء أعطانيه ربي، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أعوذ بالله مما أخاف وأحذر الله ربي لا أشرك به شيئا، عز جارك وجل ثناؤك وتقدست أسماؤك ولا إله غيرك اللهم إني أعوذ بك من شر كل جبار عنيد وشيطان مريد، ومن شر قضاء السوء ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم.
وهذا دعاء مشهور الإجابة وله شرح طويل وتركناه لطوله وهو: اللهم كما لطفت في عظمتك دون اللطفاء وعلوت بعظمتك على العظماء، وعلمت ما تحت أرضك كعلمك بما فوق عرشك، وكانت وساوس الصدور كالعلانية عندك وعلانية القول كالسر في علمك، وانقاد كل شيء لعظمتك وخضع كل ذي سلطان لسلطانك وصار أمر الدنيا والآخرة كله بيدك لا بيد غيرك، اجعل لي من كل هم وغم أصبحت أو أمسيت فيه فرجا ومخرجا، إنك على كل شيء قدير. اللهم إن عفوك عن ذنوبي وتجاوزك عن خطيئتي وسترك عن قبيح عملي أطمعني أن أسألك ما لا أستوجبه منك مما قضيته لي أدعوك آمنا وأسألك مستأنسا لا خائفا ولا وجلا لأنك أنت المحسن إلي وأنا المسيء إلى نفسي، فيما بيني وبينك، تتودد إلي بالنعم مع غناك عني، وأتبغض إليك بالمعاصي مع فقري إليك، فلم أر مولى كريما أعطف منك على عبد لئيم مثلي، لكن الثقة بك حملتني على الجرأة على الذنوب فاسألك بجودك وكرمك وإحسانك مع طولك، وتحبس عني باب الهم بقدرتك ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين فأعجز، ولا إلى الناس فأضيع، برحمتك يا أرحم الراحمين.
وروى الحافظ النسفي باسناده عن الزهري، عن أبي مسلمة، عن أبي هريرة قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل ساجد وهو يقول في سجوده: اللهم إني استغفرك وأتوب إليك من مظالم كثيرة لعبادك قبلي، فأيما عبد من عبادك أو أمة من إمائك كانت له قبلي مظلمة ظلمتها إياه في مال أو بدن أو عرض علمتها أو لم أستطع أن أتحللها، فأسألك أن ترضيه عني بما شئت وكيف شئت، ثم تهبها لي من لدنك إنك واسع المغفرة ولديك الخير كله، يا رب ما تصنع بعذابي ورحمتك وسعت كل شيء، فلتسعني رحمتك، فإني لا شيء، وأسألك يا رب أن تكرمني برحمتك ولا تهني بذنوبي وما عليك أن تعطيني الذي سألتك يا رب يا ألله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرفع رأسك فقد غفر الله لك إن هذا دعاء أخي شعيب عليه السلام. وقال صالح المزني: قال لي قائل في منامي: إذا أحببت أن يستجاب لك، فقل اللهم إني أسألك باسمك المخزون المكنون المبارك الطيب الطاهر المطهر المقدس، فما دعوت بها في شيء إلا تعرفت الاجابة.
وقيل إن هذا الدعاء فيه اسم الله الاعظم وهو: بسم الله الرحمان الرحيم اللهم إني أسألك بالعزة التي لا ترام والملك الذي لا يضام والعين التي لا تنام والنور الذي لا يطفأ، وبالوجه الذي لا يبلى وبالديمومة التي لا تفنى وبالحياة التي لا تموت وبالصمدية التي لا تقهر وبالربوبية التي لا تستذل، أن تجعل لنا في أمورنا فرجا ومخرجا