للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولولا ذلك لكان يعدو في الصحراء والبراري من شدة سكرات الموت وقد أجمعت الأمة على أن الموت ليس له زمن معلوم فليكن المرء على أهبة من ذلك.

وقيل: بينما حسان جالس وفي حجره صبي يطعمه الزبد بالعسل إذ شرق الصبي فمات. فقال:

إعمل وأنت صحيح مطلق فرح ... ما دمت ويحك يا مغرور في مهل

يرجو الحياة صحيح ربّما كمنت ... له المنية بين الزبد والعسل

وقيل: إن المأمون لما قربت وفاته دخل عليه بعض أصدقائه فوجده قد فرش له جلد دابة وبسط عليه الرماد وهو يتمرغ فيه ويقول: يا من لا يزول ملكه، إرحم من زال ملكه.

ولما احتضر عمرو بن العاص دعا بغل وقيد وقال:

ألبسوني إياهما فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن التوبة مقبولة ما لم يغرغر ابن آدم بنفسه، ثم استقبل القبلة، وقال: اللهم إنك أمرتنا فعصينا فارتكبنا، وهذا مقام العائذ بك فإن تعف فأنت أهل العفو، وإن تعاقب فبما قدمت يداي. لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، ثم مات وهو مغلول القيد، فبلغ ذلك الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما فقال: استسلم الشيخ ولعلها تنفعه.

ولما احتضر المعتصم جعلوا يهونون عليه فقال: هان على النظارة ما يمر بظهر المجلود. وسمع أبو الدرداء رجلا في جنازة يقول: من هذا؟ فقال: أنت. فإن كرهت فأنا. وقيل: مات عكرمة مولى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وكثير عزة في يوم واحد. فقال: اللهم كما جمعتهما في زيارة القبور فلا تفرق بينهما يوم النشور. فما بقي في المدينة أحد إلا استحسن كلامه.

ولما احتضر إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام قال:

هل رأيت خليلا يقبض روح خليله؟ فأوحى الله إليه: هل رأيت خليلا يكره لقاء خليله؟ قال: فاقبض روحي الساعة. وقيل: إذا قضى الله لرجل أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة فيسيره إليها. وقال بعضهم:

إذا ما حمام المرء كان ببلدة ... دعته إليها حاجة فيطير «١»

حكي أن شابا تقيا من بين إسرائيل كان يجتمع مع سليمان عليه السلام ويحضر مجالسه، فبينما هو عند سليمان في مجلسه إذ دخل ملك الموت عليه، فلما رآه الشاب اصفرّ لونه وارتعدت فرائصه وقال: يا نبي الله إني خفت من هذا الرجل، فمر الريح أن تذهب بي إلى الهند، فأمر سليمان الريح فذهبت به، فما كان إلا قليل حتى دخل ملك الموت على سليمان وهو متعجب، فقال له سليمان:

ممّ تعجب؟ قال: أعجب أني أمرت بقبض روح الشاب الذي كان عندك بأرض الهند ودخلت عليك فوجدته عندك، فصرت متعجبا، ثم توجهت إلى الهند فرأيته هناك وقبضت روحه فهذا عجبي. فقال له سليمان: إنه لما رآك خاف وانزعج وطلب مني أن تحمله الريح إلى الهند فأمرتها فحملته. وفي ذلك المعنى قال محمد بن الحسن:

ومتعب الروح مرتاح إلى بلد ... والموت يطلبه في ذلك البلد

وقيل: إن الانسان يحصل له عند الموت قوة حركة، نحو ما يحصل للسراج عند انطفائه من حركة سريعة وضياء ساطع، وتسميها الأطباء النعشة الأخيرة والله أعلم.

وقيل: إن الرشيد ماتت له جارية وكانت من خواص محاظيه، فجزع عليها جزعا شديدا، فقال لبعض أصدقائه: أما ترى ما بليت به؟ ما أحببت أحدا إلا مات.

فقال يا أمير المؤمنين: أحببني، فقال: ويحك إن الحب ليس هو شيء يصنع إنما هو شيء يقع في القلب تسوقه الأسباب، فقال: قل أنا أحبك، قال: نعم أحبك، فحمّ من وقته ومات.

وفي الحديث المرفوع: «كسر عظم الميت ككسره في حياته» . وقال يزيد بن أسلم: لقد كان يمضي في الزمن الأول أربعمائة سنة ما يسمع فيها بجنازة، وعن ميمون بن مهران قال: شهدت جنازة ابن عباس رضي الله عنه بالطائف، فلما وضع ليصلى عليه جاء طائر أبيض حتى وقف على أكفانه، ثم دخل فيها فالتمسناه فلم نجده، ولما سوينا عليه التراب سمعنا من يسمع صوته ولا نرى شخصه يقول: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ٢٧ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً ٢٨

«٢» الآية.

قال ابن عباس رضي الله عنهما إن قبر آدم عليه السلام بمسجد الخيف بمنى. وقال عطاء: بلغني أن قبره تحت

<<  <   >  >>