وقال العباس بن الأحنف:
إذا ما دعوت الصبر بعدك والبكا ... أجاب البكا طوعا ولم يجب الصبر
فإن ينقطع منك الرجاء فإنه ... سيبقى عليك الحزن ما بقي الدهر
وقال آخر يرثي صديقه:
خليلي ما أزداد إلّا صبابة ... إليك وما تزداد إلا تنائيا
خليلي لو نفس فدت نفس ميّت ... فديتك مسرورا بنفسي وماليا
وقد كنت أرجو أن تعيش وإن أمت ... فحال رجاء الله دون رجائيا
ألا فليمت من شاء بعدك إنما ... عليك من الأقدار كان حذاريا «١»
أخذها بعضهم فقال:
كنت السّواد لمقلتي ... يبكي عليك الناظر
من شاء بعدك فليمت ... فعليك كنت أحاذر
وقال آخر يرثي بعض أولاده:
وقاسمني دهري بني مشاطرا ... فلما تقضّى شطره عاد في شطري
ألا ليت أمّي لم تلدني وليتني ... سبقتك إذ كنا إلى غاية تجري
وقد كنت ذا ناب وظفر على العدا ... فأصبحت لا يخشون نابي ولا ظفري
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للخنساء: أخبريني بأفضل بيت قلته في أخيك فقالت:
وكنت أعير الدمع قبلك من بكى ... فأنت على من مات بعدك شاغله
ولأبي المحاسن الشواء في صديق له مات وسقط الثلج عقيب موته:
لم أنسه وبنو الملوك أمامه ... يدمون للأسف الأكفّ عضاضا
والثلج قد غطى الربا فكأنها ... من حزنها لبست عليه بياضا
وقال آخر:
وليس صرير النعش ما تسمعونه ... ولكنه أصلاب قوم تقصّفوا
وليس نسيم المسك ريا حنوطه ... ولكنه ذاك الثناء المخلف
وقال مقاتل بن عطية يرثي الوزير نظام الملك:
كان الوزير نظام الملك لؤلؤة ... يتيمة صاغها الرحمن من شرف
عزّت ولم تعرف الأيام قيمتها ... فردّها عندما عزّت إلى الصدف
وقال آخر:
وقبرت وجهك وانصرفت مودّعا ... بأبي وأمّي وجهك المقبور
وأرى ديارك بعد وجهك قفرة ... والقبر منك مشيّد معمور
فالناس كلهم لفقدك واجد ... في كل بيت رنة وزفير
عجبا لأربع أذرع في خمسة ... في جوفها جبل أشمّ كبير
وكان رجل توفي ولده في يوم عيد فقال:
لبس الرجال جديدهم في عيدهم ... ولبست حزن أبي الحسين جديدا
أيسرّني عيد ولم أر وجهه ... فيه ألا بعدا لذلك عيدا
فارقته وبقيت أخلد بعده ... لا كان ذاك بقا ولا تخليدا
من لم يمت جزعا لفقد حبيبه ... فهو الخؤون مودة وعهودا
مت مع حبيبك إن قدرت ولا تعش ... من بعده ذا لوعة مكمودا
ما أمّ خشف قد ملا أحشاءها ... حذرا عليه وجفنها تسهيدا «٢»