فتشرف على الخلائق أجمعين فيقال لهم: أتعرفون هذه؟
فيقولون: لا، نعوذ بالله من معرفة هذه، فيقال: هذه الدنيا التي تفاخرتم بها وتقاتلتم عليها.
وعن الفضيل بن عياض أنه قال: جعل الخير كله في بيت واحد، وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا، وجعل الشر كلّه في بيت واحد، وجعل مفتاحه حب الدنيا.
وقيل: إن الدنيا مثل ظل الإنسان إن طلبته فر، وإن تركت تبعك، وفي قال بعضهم:
إنّما الرزق الذي تطلبه ... يشبه الظلّ الذي يمشي معك
أنت لا تدركه متّبعا ... وهو وإن ولّيت عنه تبعك
وقد شبهها بعضهم بخيال الظل فقال:
رأيت خيال الظلّ أعظم عبرة ... لمن كان في علم الحقائق راقي
شخوصا وأصواتا يخالف بعضها ... لبعض وأشكالا بغير وفاق
تجيء وتمضي بابة بعد بابة ... وتفنى جميعا والمحرّك باقي «١»
وما أحسن ما قال سليمان بن الضحاك:
ما أنعم الله على عبده ... بنعمة أوفى من العافيه
وكلّ من عوفي في جسمه ... فإنّه في عيشة راضيه
والمال حلو حسن جيّد ... على الفتى لكنه عاريه «٢»
ما أحسن الدّنيا ولكنّها ... مع حسنها غدّارة فانيه
وتوفي رجل من كندة فكتب على قبره هذه الأبيات:
يا واقفين ألم تكونوا تعلموا ... إن الحمام بكم علينا قادم
لو تنزلون بشعبنا لعرفتمو ... أنّ المفرّط في التزوّد نادم
لا تستعزّوا بالحياة فإنّكم ... تبنون والموت المفرّق هادم
سلوى الرّدى ما بيننا في حفرة ... حيث المخدّم واحد والخادم
وقال آخر:
عن قليل أصير كوم تراب ... وتقول الرفاق هذا فلان
صار تحت التراب عظما رميما ... وجفاه الأصحاب والخلّان
وما أحسن ما قال عبد الله بن طاهر:
أليس إلى ذا صار آخر أمرنا ... فلا كانت الدنيا القليل سرورها
فلا تعجبي يا نفس ممّا ترينه ... فكلّ أمور الناس هذا مصيرها
وقال شرف الدين بن أسد:
يا من تملّك ملكا لا بقاء له ... حمّلت نفسك آثاما وأوزارا
هل الحياة بذي الدنيا وإن عذبت ... إلا كطيف خيال في الكرى زارا
وقال بعضهم:
وغاية هذي الدار لذّة ساعة ... ويعقبها الأحزان والهمّ والندم
وهاتيك دار الأمن والعزّ والتّقى ... ورحمة ربّ الناس والجود والكرم
وقال غيره:
حسّنت ظنّك بالأيام إذ حسنت ... ولم تخف سوء ما يأتي به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بها ... وعند صفو الليالي يحدث الكدر
وقال آخر:
فإن كنت لا تدري متى الموت فاعلمن ... بأنّك لا تبقى إلى آخر الدّهر
يا ابن آدم:
أين الأولون والآخرون، أين نوح شيخ المرسلين، أين إدريس رفيع رب العالمين، أين إبراهيم خليل الرحمن، أي موسى الكليم من بين سائر النبيين، أين عيسى روح الله