وكان عبد الله بن مرزوق من ندماء المهدي، فسكر يوما ففاتته الصلاة فجاءته جارية له بجمرة، فوضعتها على رجله، فانتبه مذعورا فقالت له: إذا لم تصبر على نار الدنيا، فكيف تصبر على نار الآخرة. فقام فصلّى الصلوات، وتصدق بما يملكه وذهب يبيع البقل، فدخل عليه فضيل وابن عيينة، فإذا تحت رأسه لبنة وما تحت جنبه شيء، فقالا له: إنه لم يدع أحد شيئا إلا عوضه الله منه بديلا، فما عوضك عما تركت له؟ قال: الرضا بما أنا فيه.
وقال الثوري: ما وضع أحد يده في قصعة غيره إلا ذلّ له، وقال الفضيل: من رضي بما قسم الله له بارك الله له فيه.
وكان عيسى عليه الصلاة والسلام يقول: الشمس في الشتاء جلالي، ونور القمر سراجي، وبقل البرية فاكهتي، وشعر الغنم لباسي، أبيت حيث يدركني الليل ليس لي ولد يموت، ولا بيت يخرب، أنا الذي كببت الدنيا على وجهها.
(بيت مفرد) ؛
إنّ القناعة من يحلل بساحتها ... لم يلق في ظلّها همّا يؤرّقه «١»
وقال عيسى عليه الصلاة والسلام: أنظروا إلى الطير تغدو وتروح ليس معها شيء من أرزاقها، لا تحرث، ولا تحصد، والله يرزقها، فإن زعمتم أنكم أكبر بطونا من الطير، فهذه الوحوش والبقر والحمر لا تحرث ولا تحصد والله يرزقها.
وقيل: وفد عروة بن أذينة على هشام بن عبد الملك، فشكا إليه خلّته «٢» ، فقال له القائل:
لقد علمت وما الإسراف من خلقي ... أنّ الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى إليه فيعييني تطلّبه ... ولو قعدت أتاني ليس يعييني
وقد جئت من الحجاز إلى الشام في طلب الرزق فقال:
يا أمير المؤمنين لقد وعظت فأبلغت، وخرج، فركب ناقته وكرّ إلى الحجاز راجعا، فلما كان من الليل نام هشام على فراشه، فذكر عروة، فقال في نفسه رجل قرشي قال حكمة ووفد علي، فجبهته ورددته خائبا، فلما أصبح وجه إليه بألفي دينار، فقرع عليه الرسول باب داره بالمدينة، وأعطاه المال، فقال: أبلغ أمير المؤمنين مني السلام وقل له:
كيف رأيت قولي سعيت، فأكديت، فرجعت، فأتاني رزقي في منزلي.
ولما ولي عبد الله بن عامر العراق قصده صديقان له أنصاري وثقفي، فلما سارا تخلف الأنصاري وقال: الذي أعطى ابن عامر العراق قادر على أن يعطيني، فوفد الثقفي وقال: أحوز الحظين، فلما دخل على عبد الله بن عامر قال له: ما فعل زميلك الأنصاري؟ قال: رجع إلى أهله، فأمر للثقفي بأربعة آلاف دينار [وللأنصاري بمثلها] فخرج الثقفي وهو يقول:
فو الله ما حرص الحريص بنافع ... فيغني ولا زهد القنوع بضائر
خرجنا جميعا من مساقط روسنا ... على ثقة منا بجود ابن عامر
فلما أنخنا الناجعات ببابه ... تخلف عني اليثربيّ ابن جابر
وقال ستكفيني عطية قادر ... على ما يشاء اليوم للخلق قاهر
فإن الذي أعطى العراق ابن عامر ... لربّي الذي أرجو لسدّ مفاقري
فقلت خلالي وجهه ولعله ... سيجعل لي حظّ الفتى المتزاور
فلما رآني سال عنه صبابة ... إليه كما حنت ظؤار الأباعر «٣»
فأبت وقد أيقنت أن ليس نافعا ... ولا ضائرا شيء خلاف المقادر
قيل: أوحى الله تعالى إلى موسى صلوات الله وسلامه عليه: أتدري لم رزقت الأحمق؟ قال: لا يا رب. قال:
ليعلم العاقل أن طلب الرزق ليس بالاحتيال.
ولبعض العرب:
ولا تجزع إذا أعسرت يوما ... فقد أيسرت في الزمن الطويل
ولا تظنن بربّك ظنّ سوء ... فإنّ الله أولى بالجميل