محمد صلى الله عليه وسلم، وإني أوصيك بخلال ثلاث: لا تفشين له سرا، ولا تجرين عليه كذبا، ولا تغتابن عنده أحدا، قال الشعبي رحمه الله تعالى: قلت لابن عباس كل واحدة منهن «١» خير من ألف، فقال: أي والله، ومن عشرة آلاف.
وقال بعض الحكماء: إذا زادك السلطان تأنيسا فزده إجلالا، وإذا جعلك أخا، فاجعله أبا، وإذا زادك إحسانا، فزده فعل العبد مع سيده، وإذا ابتليت بالدخول على السلطان مع الناس، فأخذوا في الثناء عليه، فعليك بالدعاء له ولا تكثر في الدعاء له عند كل كلمة، فإن ذلك تنبيه بالوحشة والغربة.
وقال مسلم بن عمر لمن خدم السلطان: لا تغتر بالسلطان إذا أدناك ولا تتغير منه إذا أقصاك.
وروي أن بعض الملوك استصحب حكيما، فقال له:
أصحبك على ثلاث خصال، قال: وما هن؟ قال:
لا تهتك لي سترا، ولا تشتم لي عرضا، ولا تقبل فيّ قول قائل حتى تستشيرني، قال: هذا لك. فماذا لي عليك؟
قال: لا أفشي لك سرا، ولا أدخر عنك نصيحة، ولا أوثر عليك أحدا، قال: نعم الصاحب للمستصحب أنت.
وقال بزرجمهر: إذا خدمت ملكا من الملوك، فلا تطعه في معصية خالقك، فإن إحسانه إليك فوق إحسان الملك، وإيقاعه بك أغلظ من إيقاعه.
وقالوا: إصحب الملوك بالهيبة لهم والوقار لأنهم إنما احتجبوا عن الناس لقيام الهيبة وإن طال أنسك بهم تزدد غما.
وقالوا: علّم السلطان وكأنك تتعلم منه، وأشر عليه وكأنك تستشيره، وإذا أحلّك السلطان من نفسه بحيث يسمع منك، ويثق بك، فإياك والدخول بينه وبين بطانته «٢» ، فإنك لا تدري متى يتغير منك، فيكونون عونا عليك، وإياك أن تعادي من إذا شاء أن يطرح ثيابه، ويدخل مع الملك في ثيابه فعل.
وفي الأمثال القديمة: احذروا زمارة المخدة «٣» وفيه قيل:
ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزرا ... مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا
وقال يحيى بن خالد: إذا صحبت السلطان فداره مداراة المرأة العاقلة لصحبة الزوج الأحمق.
وأما ما جاء في التحذير من صحبة السلطان:
فقد اتفقت حكماء العرب والعجم على النهي عن صحبة السلطان، قال في كتاب كليلة ودمنة: ثلاثة لا يسلم عليها إلا القليل: صحبة السلطان وإئتمان النساء على الأسرار، وشرب السم على التجربة.
وكان يقال: قد خاطر بنفسه من ركب البحر، وأعظم منه خطرا من صحب السلطان.
وكان بعض الحكماء يقول: أحق الأمور بالتثبت فيها أمور السلطان، فإن من صحب السلطان بغير عقل، فقد لبس الشعار «٤» الغرور. وفي حكم الهند: صحبة السلطان على ما فيها من العز والثروة عظيمة الخطر.
وقيل للعتابي: لم لا تصحب السلطان على ما فيك من الأدب، قال: لأني رأيته يعطي عشرة آلاف في غير شيء، ويرمي من السور في غير شيء، ولا أدري أي الرجلين أكون.
وقال معاوية لرجل من قريش: إياك والسلطان فإنه يغضب غضب الصبي، ويبطش بطش الأسد. وقال ميمون بن مهران: قال لي عمر بن عبد العزيز: يا ميمون احفظ عني أربعا: لا تصحبن السلطان، وإن أمرته بالمعروف ونهيته عن المنكر، ولا تخلون بامرأة، وإن أقرأتها القرآن، ولا تصل من قطع رحمه، فإنه لك أقطع، ولا تتكلم بكلام اليوم تعتذر منه غدا.
وكم رأينا، وبلغنا ممن صحب السلطان من أهل الفضل والعقل والعلم والدين ليصلحه ففسد هو به، فكان كما قيل:
عدوى البليد إلى الجليد سريعة ... والجمر يوضع في الرماد فيخمد
ومثل من صحب السلطان ليصلحه، مثل من ذهب ليقيم حائطا مائلا، فاعتمد عليه ليقيمه، فخر الحائط عليه فأهلكه.
قال الشاعر: