ومعاشر السلطان شبه سفينة ... في البحر ترجف دائما من خوفه
إن أدخلت من مائه في جوفها ... يغتالها مع مائها في جوفه
وفي كتاب كليلة ودمنة: لا يسعد من ابتلي بصحبة الملوك، فإنهم لا عهد لهم ولا وفاء ولا قريب ولا حميم، ولا يرغبون فيك إلا أن يطعموا فيما عندك، فيقربوك عند ذلك، فإذا قضوا حاجتهم منك تركوك ورفضوك، ولا ود للسلطان ولا إخاء، والذنب عنده لا يغفر.
وقالت الحكماء: صاحب السلطان كراكب الأسد يخافه الناس وهو لمركوبه أخوف. وقال محمد بن واسع، والله لسف التراب ولقضم العظم خير من الدنو من أبواب السلاطين. وقال محمد بن السمّاك: الذباب على العذرة خير من العابر على أبواب الملوك. وقيل: من صحب السلطان قبل أن يتأدب، فقد غرر بنفسه. وقال ابن المعتز:
من شارك السلطان في عز الدنيا شاركه في ذل الآخرة، وعنه: إذا زادك السلطان تأنيسا وإكراما فزده تهيبا واحتشاما.
وقال أبو علي الصغاني: إياك والملوك، فإن من والاهم أخذوا ماله ومن عاداهم أخذوا رأسه. وقيل: مكتوب على باب قرية من قرى بلخ اسمها بهار، أبواب الملوك تحتاج إلى ثلاثة: عقل، وصبر، ومال، وتحته مكتوب: كذب عدو الله من كان له واحد منها لم يقرب باب السلطان.
وقال حسان بن ربيع الحميري: لا تثقن بالملك فإنه ملول، ولا بالمرأة فإنها خؤون ولا بالدابة فإنها شرود.
وقال عبيد بن عمير: ما ازداد رجل من السلطان قربا إلا ازداد من الله بعدا، ولا كثرت أتباعه إلا كثرت شياطينه، ولا كثر ماله إلا كثر حسابه.
وقال ابن المبارك رحمه الله:
أرى الملوك بأدنى الدّين قد قنعوا ... ولا أراهم رضوا في العيش بالدّون
فاستغن بالدين عن دنيا الملوك كما اس ... تغنى الملوك بدنياهم عن الدّين
وقال بعضهم في ولاة بني مروان:
إذا ما قطعتم ليلكم بمدامكم «١» ... وأفنيتمو أيامكم بمنام «٢»
فمن ذا الذي يغشاكم في ملمّة ... ومن ذا الذي يغشاكم بسلام
رضيتم من الدنيا بأيسر بلغة «٣» ... بلثم غلام أو بشرب مدام
ولم تعلموا أنّ اللسان موكّل ... بمدح كرام أو بذمّ لئام
نهت الحكماء عن خدمة الملوك فقالوا: إن الملوك يستعظمون في الثواب رد الجواب، ويستقلون في العقاب ضرب الرقاب، وقيل: شر الملوك من أمنه الجريء وخافه البريء. والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الباب السادس عشر في ذكر الوزراء وصفاتهم وأحوالهم وما أشبه ذلك
قال الله تعالى حاكيا عن موسى عليه السلام: وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ٢٩
«٤» . فلو كان السلطان يستغني عن الوزراء لكان أحق الناس بذلك كليم الله موسى بن عمران عليه السلام. ثم ذكر حكمة الوزارة، فقال: اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ٣١ وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ٣٢
«٥» دلت هذه الآية على أن الوزارة تشد قواعد المملكة، وأن يفوض إليه السلطان إذا استكملت فيه الخصال المحمودة، ثم قال: كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً ٣٣ وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً ٣٤
«٦» . دلت هذه الآية على أن بصحبة العلماء والصالحين أهل الخبرة والمعرفة، تنتظم أمور الدنيا والآخرة، وكما يحتاج أشجع الناس إلى السلاح، وأفره الخيل إلى السوط، وأحدّ الشفار إلى المسن، كذلك يحتاج أجل الملوك وأعظمهم وأعلمهم إلى الوزير.