والموجودات والموالد آحادا مجتمعة، قد قهر فيها متنافرات موجودات الأركان، وموجود خلق السماء والأرض المشهود تقابلهما، فما وقع اجتماع النار بالماء على تقابل مابين الحار والبارد، واجتماع الهواء بالأرض على تقابل مابين الكثيف واللطيف، واجتماع الكل في شيء واحد من جسم واحد، وعضو واحد، حتى في جزء واحد من أدق أجزائه، إلا بأمر يعجز عنه الخلق، ولا يقدر عليه إلا الحق، الذي يحار فيه الخلق، فهو إذن إلههم الذي هو إله واحد، آثاره موجودة في أنفسهم، وشواهده مبصرة بأعينهم، وحقائق تلك الشواهد بادية لعقولهم، فكأنه، سبحانه وتعالى، أقرأهم ذكره الحكيم المرئي لأعينهم كشفا لغطاء أعينهم، ليتميزوا عن الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكره.
ولما ذكر، سبحانه وتعالى، خلق متقابل العلو والسفل، في ذكر السموات والأرض، نظم بها اختلاف الأفقين اللذين فيهما ظهور مختلفي الليل والنهار، ليتربع اعتبارهم بين اعتبار الأعلى والأسفل، والمشرق والمغرب، فيقع شواهد الإحاطة بهم عليهم في توحيد ربهم، وإرجاع ذلك إليه، دون أن يعزى ذلك إلى شيء من دونه، مما هو داخل في حصر موجود هذه الإحاطة من المحيط الأعلى، والمحيط