ولما كان شأن الإختلاف والانقطاع غير مستغرب في محل النقص والإشكال، وطئ لهذا الواقع بعد الرسل بأنه ليس من ذلك، وأنه من الواقع بعد إظهار التفضيل، وإبلاغ البينات، لما يشاؤه من أمره - انتهى.
{وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ}
قال الْحَرَالِّي: والبينة ما ظهر برهانه في الطبع والعلم والعقل، بحيث لا مندوحة عن شهود وجوده، وذلك فيما أظهر الله، سبحانه وتعالى، على يديه من الإحياء والإماتة الذي هو من أعلى آيات الله، فإن كل باد في الخلق، ومتنزل في الأمر، فهو من آيات الله، فما كان أقرب إلى ما اختص الله، تعالى، به كان أعلى وأبهر، وما كان مما يجري نحوه على أيدي خلقه كان أخفى وألبس، إلا على من نبه الله قلبه لاستبصاره فيه. {وَأَيَّدْنَاهُ} أي بعظمتنا البالغة {بِرُوحِ الْقُدُسِ} في إعلامه ذكر ما جعل، تعالى، بينه وبين عيسى، عليه الصلاة والسلام، في كيانه فجرى نحوه في عمله من واسطة الروح، كما قال، سبحانه وتعالى:{فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} كذلك كان فعله مع تأييده، وفي ذلك بينه وبين موسى عليهما الصلاة والسلام، موازنة ابتدائية، حيث كان أمر موسى من ابتداء أمر التكليم، الذي هو غاية سقوط الواسطة، وكان أمر عيسى، عليه