للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الأنعام فبالاقتصار منها على قدر الكفاف، لأن كل مستزيد تمولا من الدنيا، زائدا على كفاف منه؛ من مسكن أو ملبس أو مركب أو مال، فهو محجر، على من سواه من عباد الله، ذلك الفضل الذي هم أحق به منه، قال، - صلى الله عليه وسلم -: "لنا غنم مائة، لا نريد أن تزيد" الحديث {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}.

وأما الحرث، فبالاقتصار منه على قدر الكفاية، لما يكون راتبا للإلزام، ومرصدا للنوائب، ومخرجا للبذر، فإن أعطاه الله فضلا أخرجه بوجه من وجوه الإخراج، ولو بالبيع، ولا يمسكه متمولا لقلبه إلى غيره من الأعيان، فيكون محتكراً، قال، عليه الصلاة والسلام، كما أخرجه أحمد وأبو يعلى عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما: "من احتكر أربعين يوما، فقد بريء من الله، وبريء الله منه".

فبذلك يتحقق الصبر بحبس النفس عما زين للناس من التمولات من الدنيا الزائدة على الكفاف، التي هي حظ من لا خلاف له في الآخرة، ولذلك يحق أن تكون هذه الكلمات معرفة بالنصب مدحا، لأن الصفات المتبعة للمدح حليتها النصب في لسان العرب، وإنما يتبع في الإعراب ما كان لرفع لبس أو تخصيص - انتهى.

<<  <   >  >>