أما في جهة القلب، ورؤيا الفؤاد، فمشاهدة البصيرة لوعود الجزاء، حتى كأنه ينظر إليه لترتاح النفس لخيره، وترتاع من شره، كما قال حارثة:"كأني أنظر إلى أهل الجنة في الجنة ينعمون، وإلى أهل النار في النار يعذبون". فأثمر له ذلك ما أخبر به عن نفسه في قوله:"وعزفت نفسي عن الدنيا، فاستوى عندي ذهبها وخزفها"، وخصوصا من أيد بالمبشرات من الرويا الصالحة، والكشف الصادق، ليدع الفاني للباقي على يقين ومشاهدة.
وأما من جهة حال النفس، فالصبر يحسبها عما تشتهيه طبعا، مما هو محلل شرعا، قال، - صلى الله عليه وسلم -، لعمر، رضي الله عنه، لما رثى لحاله:"ياعمر، ألا ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة". {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ} وصبر النفس عن شهواتها، وإن كانت حلالا، هو حقيقة تزكيتها، وقتلها بإضنائها منها هو حياتها، وإطلاقها ترتع في شهواتها هو تدسيسها: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}.
والنفس مطية يقويها إنضاؤها، ويضعفها استمتاعها وحبسها عن ذلك شائع في جهات وجوه الحلال كلها، إلا في شيئين: في النساء بكلمة الله، لأنهن من ذات نفس الرجل، ولسن غيرا لهم. {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}. {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا}.
والثاني في الطيب لأنه غذاء للروح، وتقوية للحواس، ونسمة من باطن الملكوت، إلى ظاهر الملك، وما عداهما فالاستمتاع به واتباع النفس هواها فيه، علامة تكذيب وعد الرحمن، وتصديق وعد الشيطان: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ