للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعريف الضمير]

ثم شرع المؤلف رحمه الله ببيان تعريف كل من هذه الأقسام الستة، فقال في تعريف الضمير: [فما لذي غيبة او حضور كأنت وهو سم بالضمير] أي: ما دل على غيبة أو حضور كدلالة (أنت وهو) سمي بالضمير.

لو قال: (فما لذي غيبه او حضور) ولم يقيده بالمثال لكان التعريف غير مانع، لأنه لو قال: (ما دل على غيبة أو حضور) وأطلق لكانت كلمة (غائب) ضميراً، وكذلك كلمة (حاضر).

فقوله: (كأنت وهو) ليست مجرد مثال، بل هي مثال مقيد للتعريف، يعني: (ما دل على غيبة أو حضور كدلالة أنت وهو، وليس كل لفظ دل على حضور فهو ضمير، ولو كان كل لفظ دل على حضور فهو ضمير لكانت كلمة (حاضر) ضميراً وكلمة (غائب) ضميراً.

فالضمير (أنت) للمخاطب، والضمير (هو) للغائب.

وقوله: (حضور) يشمل المتكلم والمخاطب.

ومثل بأنت ولم يمثل بأنا الدال على المتكلم، لأنه أولى من المخاطب.

وهذا التعريف تعريف ذاتي، حده وبعضهم بتعريف آخر فقال: ما كُنِيَ به عن الظاهر اختصاراً.

قالوا: فإذا قلت: (أنا قائم) فأنا كناية عن محمد بن صالح بن عثيمين فجملة (أنا قائم) تغني عن قولي: محمد بن صالح بن عثيمين قائم، فكنيَ به عن الظاهر اختصاراً.

وإذا كنت أخاطب مثلاً: عبد الله بن عمر وهو أمامي، فإذا قلت (أنت فاهم) كنيت بأنت عن الظاهر وهو عبد الله بن عمر اختصاراً.

ومع كونه يدل على الظاهر اختصاراً فهو أدل على المقصود من الاسم الظاهر، فلو قلت للذي أمامي: عبد الله بن عمر قائم، لكان يحتمل أن يكون حاضراً وأن يكون غائباً، لكن قولي: أنت قائم، لا يحتمل أن يكون غائباً.

فصار لدينا تعريفان للضمير: الأول ما ذهب إليه ابن مالك رحمه الله بأنه ما دل على الغيبة أو الحضور كدلالة أنت وهو.

والثاني: ما كنيَ به عن الظاهر اختصاراً.

وهذا وإن كان أقصر من تعريف المؤلف لكنه ليس فيه تبيين واضح، وقد لزم منه الدور، لأن (ما كنيَ به عن الظاهر) هو الضمير، فيكون قد عرف الضمير بالضمير، وهو نوع من الدور.

على كل حال ابن آجروم رحمه الله ما عرف لا بهذا ولا بهذا، وإنما سرد الضمائر فقال: الضمائر هي كذا وكذا وكذا.

فعددها بأعيانها دون حدودها.

قوله: (كأنت وهو سم بالضمير).

سم: فعل أمر.

والضمير مأخوذ من الإضمار.

ويعجبني أنني كنت ذات مرة في المعهد العلمي مدرساً، وكنا نختبر الطلبة قبل أن يدخلوا في المعهد في القواعد وبعض المسائل من الفقه والتوحيد، فاختبرت طالباً فقلت له: (زيد قام) أين فاعل قام؟ ففكر قليلاً ثم قال: فاعل قام خفي.

فأتى بالمعنى لأن (خفي) بمعنى مستتر.

وكان الطالب ذكياً فعرفت أنه جاء بها من عنده؛ لكنه أصاب في المعنى، فأعطيته درجة كاملة.

قوله: (ما لذي غيبة): ما: اسم موصول بمعنى الذي، مبتدأ.

لذي غيبة: شبه جملة صلة الموصول.

وسم: الجملة في محل رفع خبر (ما).

والمعنى: الذي لغيبة أو حضور سمه بالضمير.

بالضمير: الباء هنا لا نقول إنها زائدة بل نقول إنها أصلية؛ لأن (سمى) يتعدى بنفسه كقوله تعالى {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} [آل عمران:٣٦]، ولم يقل: سميتها بمريم، ويصح أن تتعدى بالباء فتقول سميت ابني بعبد الله.