[أنواع التحذير وأحكامه]
قوله: (إياك والشر ونحوه نصب) إياك والشر: مفعول مقدم لنصب على أنه مراد به لفظه.
ونحوه: الواو حرف عطف، نحو: معطوف على (إياك والشر) على أنه يريد به اللفظ؛ لأن (إياك والشر) بمعنى: هذا اللفظ، أو هذا التركيب ونحوه.
(نصب محذراً) أي: أن المحذر نصب (إياك والشر) وما أشبهه، مثل: إياك والأسدَ، إياك والرياء، إياك والخنا، إياك والغيبة، وما أشبه ذلك.
وقوله: (بما) أي: نصبه بعامل، فـ (ما) هنا نكرة موصوفة، (استتاره وجب) عبر هنا بالاستتار على سبيل التسامح؛ لأن المراد بالاستتار هنا الحذف، والاستتار -كما هو معلوم- إنما يكون في الضمائر، وهذا الذي معنا من باب الحذف وليس من باب الاستتار، فهو من باب التسامح، أو من باب استعمال الاستتار في غير معناه الاصطلاحي، بل في معناه اللغوي، فمراده بما استتاره وجب أي: بما وجب حذفه.
ولذلك فإعراب (إياك والشر) يقولون: إياك: مفعول لفعل محذوف وجوباً تقديره: أحذر، وأصل التركيب (أحذرك)، فالضمير في (أحذرك) ضمير متصل، ولما حذفنا الفعل لم نجد شيئاً يتصل به الضمير، فاضطررنا إلى فصل الضمير وقلنا: إياك، فعلى هذا يكون (إياك) ضميراً منفصلاً مبنياً على السكون في محل نصب بعامل محذوف والتقدير: أحذر، وإن كان الظاهر في كلام الشارح (احذر) لكن الصواب: أُحذر.
والأسد: الواو: حرف عطف، الأسد: مفعول لفعل محذوف أيضاً، وليس معطوفاً على (إياك)؛ لأنه لو قلنا إنه معطوف على (إياك) لفسد المعنى، وصار المعنى: أحذرك وأحذر الأسد، وهذا لا يستقيم، إذاً يكون مفعولاً لفعل محذوف تقديره: إياك أحذر وجانب الأسد أو واجتنب الأسد، فيكون من باب عطف جملة على جملة.
وقوله: (بما استتاره وجب) يدل على أنه لا يجوز أن تبرز الفعل هنا، فلو قلت: إياك أحذر، لما كان من باب التحذير، وإنما يكون جملة مستقلة ولا تسمى تحذيراً، وإنما سمي (إياك والشر) تحذيراً مع حذف العامل لأن هذا أبلغ في تنبيه المخاطب، فلو قال: أحذرك لما صار له أثر في نفس المخاطب كما يقول: إياك، ولاسيما في الصيغة الثانية التي تكرر فيها (إياك).
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ودون عطف ذا لإيا انسب وما سواه ستر فعله لن يلزما إلا مع العطف أو التكرار كالضيغم الضيغم يا ذا الساري].
قوله: (ودون عطف) أي: إنك إذا أتيت بالتحذير بدون عطف فقلت: إياك الشر، فيقول: (لإيا انسب) أي: انسب التحذير لإيا.
قوله: (وما سواه ستر فعله لن يلزما) بل يجوز ذكر فعله، مثلما لو قلت أحذر زيداً الأسد، فهنا لا يلزم أن نحذف الفعل، بل يجوز ذكره ويجوز حذفه إذا دلت عليه القرينة.
(إلا مع العطف أو التكرار كالضيغم الضيغم يا ذا الساري) أي: فيجب ستر الفعل مثل: الضيغم الضيغم، والضيغم اسم للأسد، فالضيغم الضيغم هذا محذَّر مفعول لفعل محذوف ويحذف من أجل التكرار.
قال الشارح رحمه الله تعالى: [التحذير: تنبيه المخاطب على أمر يجب الاحتراز منه، فإن كان بإياك وأخواته وهو: إياكِ وإياكما وإياكم وإياكن وجب إضمار الناصب، سواء وجد عطف أم لا، فمثاله مع العطف: إياك والشر، فإياك: منصوب بفعل مضمر وجوباً والتقدير: إياك أحذر، ومثاله بدون العطف: إياك أن تفعل كذا، أي: إياك من أن تفعل كذا].
والتقدير كما سبق: أحذرك من فعل كذا، لكنه انفصل الضمير من أجل حذف العامل لأننا لم نجد عاملاً يتصل به.
وإنما قلنا: إن (إياك أن تفعل كذا) بمعنى: إياك من أن تفعل كذا؛ لأن (أن) هنا على تقدير (من)؛ لأنه لو قال: أحذرك فعل كذا، لما صار هناك محذراً منه، وهو لن يكون محذراً منه إلا على تقدير (من).
قال الشارح: [وإن كان بغير إياك وأخواته، وهو المراد بقوله: (وما سواه) - فلا يجب إضمار الناصب إلا مع العطف، كقولك: مازِ رأسك والسيف، أي: يا مازنُ قِ رأسك واحذر السيف أو التكرار نحو: الضيغم الضيغم].
قوله: ماز رأسك والسيف، أصله: مازنُ، لكنه منادى مرخم بحذف آخره وهو النون، لقول المصنف فيما سبق: (كيا سعا فيمن دعا سعادا).
ورأسك: مفعول لفعل محذوف تقديره: قِ.
والسيف: الواو: حرف عطف، السيف: مفعول لفعل محذوف تقديره: واحذر، أو جانب السيف، وما أشبه ذلك.
قال الشارح: [أو التكرار نحو: الضيغم الضيغم، أي: احذر الضيغم، فإن لم يكن عطف ولا تكرار جاز إضمار الناصب وإظهاره نحو: الأسدَ، أي: احذر الأسدَ، فإن شئت أظهرت وإن شئت أضمرت].
فصار الآن إذا جاءت (إيا) فلا بد من الإضمار، وما سوى (إيا) فإن تكرر وجب الإضمار، وإن لم يتكرر جاز الإضمار والإظهار، كما لو قلت: الأسدَ، فإنه يجوز أن أقول: احذر الأسدَ، أما لو قلت: الأسد الأسد، فإنه لا يجوز أن تأتي بالفعل.