ثم قال:(وأستعين الله في ألفيه) هنا أظهر في موضع الإضمار ولم يقل: وأستعينه في ألفية؛ لأن باب الدعاء ينبغي فيه البسط.
ثم إنه لما طال الفصل بين قوله:(أحمد ربي) و (أستعين الله) حسن أن يظهر في موضع الإضمار.
وثم شيء ثالث، وهو أنه لما قال:(مصلياً على النبي) لو قال: (وأستعينه) لتوهم الواهم أنه يستعين بالنبي صلى الله عليه وسلم.
فلهذه الأسباب الثلاثة أظهر رحمه الله وقال:(أستعين الله)، ولم يقل: أستعينه.
ومعنى أستعين: أطلب العون، كقول القائل: أستغفر الله، أي أطلب المغفرة.
وما ذهب إليه المؤلف رحمه الله من بدء العمل بهذه الألفية مع استعانة الله مطابق تمام المطابقة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز) فالمؤلف بهمته العليا نظم الألفية فحرص على ما ينفعه، ولكنه لم يقتصر على ذلك بل قال:(وأستعين الله في ألفيه)، ومن استعان بالله متلجئاً إليه صادقاً في قصده فإن الله تعالى يعينه، وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أمر بمعونة من استعانك وأنت مخلوق، فإعانته من استعان به من باب أولى، ولكن اصدق الله أنك تستعينه حقيقة، فإن أكثرنا -نسأل الله أن يعاملنا بعفوه- يعتمد على ما أعطاه الله من القوة وينسى الله، وربما يتكلم بكلام يدل على إعجابه بنفسه والعياذ بالله، فيقول: فعلت وفعلت وفعلت إلى آخره، لكن المؤمن حقاً هو الذي يحرص على ما ينفعه ويقوم بما يستطيع، لكن مع الاستعانة بالله عز وجل.
وقوله:(وأستعين الله في ألفية) أي: في نظمها، وهي نسبة إلى الألف، وهذه المنظومة لا تزيد على ألف بيت إلا ببيتين فقط، والكسر عند العرب مغتفر، على أنك إذا تأملت وجدت أنها لم تزد في الحقيقة؛ لأنه استشهد في ضمنها ببيت لغيره فيسقط، وتكون ألفاً وواحداً.
والبيت الأول وهو افتتاح الألفية:(قال محمد هو ابن مالك) فلم يكن من مقول القول، فيصدق عليها أنها ألف بيت لا تزيد ولا تنقص.
والخطب في هذا سهل، أعني أنا لو فرضنا أنها ألف وخمسة أو ألف وعشرة فإن الكسر عند العرب إما أن يجبر وإما أن يلغى.