[اكتساب المضاف للتذكير أو التأنيث من المضاف إليه]
قال المؤلف: [وربما أكسب ثانٍ أولاً تأنيثاً ان كان لحذف موهلا] الثاني هو المضاف إليه.
والأول المضاف.
فربما أكسب الثاني الأول تأنيثاً.
وعلم من قوله: (أكسب تأنيثاً) أن الأول مذكر والثاني مؤنث.
قوله: (إن كان لحذفٍ موهلا) إن كان الضمير في (كان) يعود على الأول فالمعنى: إذا كان أهلاً للحذف.
والمعنى: أن المضاف إذا كان مذكراً والمضاف إليه مؤنثاً فربما يكسبه المضاف إليه تأنيثاً، فيعطى حكم المؤنث ولو كان مذكراً، ولكن بشرط أن يصح حذفه والاستغناء بالثاني عنه، مثاله: قُطعت بعض أصابعه.
هنا كلمة (بعض) مذكر، وأصابع (مؤنث)، والفعل هنا مؤنث (قُطِعَتْ)، ولو راعينا المضاف لوجب أن نقول في الفعل: (قُطِع)، لكنه هنا أكسبه المضاف إليه التأنيث، لأنه لو حذف (بعض) وقيل: قُطعت أصابعه، لاستقام الكلام؛ لكن مع ذلك لا يستقيم تمام الاستقامة؛ لوجود فرق بين البعض والكل، فإنك لو قلت: قطعت أصابعه لم تكن في مدلولها مثل قولك: قطعت بعض أصابعه، لكن المراد أن المعنى يصح ولو في الجملة ولا تشترط المطابقة، فإنه لا يمكن أن يتطابق شيء مع الحذف وغير الحذف.
وقوله: (ربما أكسب) يبدو منه أنه مقصور على السماع، وأن ما ورد في اللغة من هذا الباب اتُبع، وما لم ترد به اللغة فالأصل أن يبقى على ما كان عليه.
قال ابن عقيل رحمه الله تعالى: [قد يكتسب المضاف المذكر من المؤنث المضاف إليه التأنيث، بشرط أن يكون المضاف صالحاً للحذف وإقامة المضاف إليه مقامه ويفهم منه ذلك المعنى؛ نحو: قُطعت بعض أصابعه، فصح تأنيث (بعض) لإضافته إلى (أصابع) وهو مؤنث، لصحة الاستغناء بأصابع عنه فتقول: قطعت أصابعه، ومنه قوله: مشينا كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم فأنث المر لإضافته إلى الرياح، وجاز لصحة الاستغناء عن المر بالرياح.
وربما كان المضاف مؤنثاً فاكتسب التذكير من المذكر المضاف إليه بالشرط الذي تقدم، كقوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:٥٦]، فرحمة: مؤنث، واكتسبت التذكير بإضافتها إلى الله تعالى.
فإن لم يصلح المضاف للحذف والاستغناء بالمضاف إليه عنه لم يجز التأنيث، فلا تقول: خرَجَت غلام هندٍ، إذ لا يقال: خرجت هندٌ، ويفهم منه خروجه] اهـ.
يظهر من كلامه أنه يمكن أن نحمل كلام المؤلف: (إن كان لحذف موهلاً) على أن يكون الأول جزءاً من الثاني أو مثل جزئه، كما في المثال: قطعت بعض أصابعه، فإن البعض جزء من الأصابع كلها.
على كل حال: أظن أن هذا موقوف على السماع، وأنه إذا كان الأول جزءاً من الثاني اكتسب التأنيث، وإذا كان منفصلاً عنه وعيناً مستقلة بنفسها فإنه لا يكتسب منه التأنيث مثل: قُتلت غلام هند وما أشبه ذلك.
قوله: ((رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ))، يقولون: إن الرحمة هنا اكتسبت التذكير من المضاف إليه، فَذُكِّر الخبر عنها، ولـ ابن القيم رحمه الله في هذه الآية كلام طويل جداً في بدائع الفوائد.