قال المصنف رحمه الله تعالى:[ولا ينوب بعض هذي إن وجد في اللفظ مفعول به وقد يرد] أي: إذا وجد في اللفظ مفعول به فإنه لا يجوز أن ينوب شيء من هذه الثلاثة عن الفاعل، مثل: ضُرِبَ زيدٌ أمامَ الأمير يومَ السبت ضرباً شديداً، فعندنا الآن ثلاثة أمور: أمام: ظرف مكان، ويوم السبت: ظرف زمان، وضرباً: مصدر، فلا يجوز أن تنيب واحداً من هذه الثلاثة؛ لوجود المفعول به وهو زيد، لأن الضرب واقع على زيد.
فإذا وجد مفعول به في اللفظ فإنه لا يجوز العدول عنه، لكنه قال:(وقد يرد).
وقد هذه للتقليل؛ لأنها دخلت على الفعل المضارع، و (قد) إذا دخلت على فعل مضارع كانت للتقليل، أو على فعل ماض كانت للتحقيق، إلا أنها قد ترد للتحقيق مع الفعل المضارع، كقول الله تعالى:{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ}[الأحزاب:١٨].
وقوله:(قد يرد) أي: عن العرب، ومعلوم أن العرب يحكمون على النحاة وليس النحاة هم الذين يحكمون على العرب، ومثاله قول الشاعر: لم يُعن بالعلياء إلا سيداً ولا شفى ذا الغي إلا ذو هدى الشاهد قوله: لم يعن بالعلياء إلا سيداً، فإن (سيداً) مفعول به: و (بالعلياء): جار ومجرور، ومع ذلك نصب سيداً الذي هو المفعول به، فيكون (بالعلياء) نائب الفاعل مع أنه جار ومجرور.
لكن هذا نادر؛ لأنه متى أمكن أن يسلط الفعل على المفعول به فإنه لا يعدل عنه.
قوله:(لا ينوب): فعل مضارع منفي بلا.
وبعض: فاعل، وبعض: مضاف، وهذي: مضاف إليه.
إن وجد: جملة شرطية أداة الشرط فيها (إن)، وفعل الشرط (وجد)، فأين جواب الشرط؟ قيل: إن جواب الشرط لا يحتاج إليه في مثل هذا التركيب، وقيل: إنه محذوف دل عليه ما قبله، وعلى هذا فالتقدير: إن وجد فلا ينوب، لكن القول الأول أحسن، وهو الذي اختاره ابن القيم رحمه الله: أنه في مثل هذا التركيب لا يحتاج إلى جواب؛ وذلك لأن النفس لا تتشوف إلى الجواب، وإذا كانت لا تتشوف إليه فلا حاجة إلى أن نقدره، ثم إنك إن قدرته مع وجود ما يدل عليه جمعت بين الدال والمدلول، وإن قدرته مع حذفه فات مقصود الذي ركب الكلام على هذا الوجه.
وقوله:(مفعول به): نائب فاعل وجد.
وقد يرد: جملة فعلية مؤكدة بقد، ويرد: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله مستتر جوازاً تقديره هو.