[الكلام على (علم) بمعنى (عرف) و (ظن) بمعنى (اتهم) و (رأى) بمعنى (حلم)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [لعلم عرفان وظن تهمه تعدية لواحد لمتزمه ولرأى الرؤيا انم ما لعلما طالب مفعولين من قبل انتمى] قوله: (تعدية): مبتدأ، وهو نكرة، وسَوغَ الابتداء به وهو نكرة تأخيره.
وقوله: (لعلم عرفان): هذا هو الخبر مقدماً.
وقوله: (لواحد ملتزمه): أي: أنه يلتزم أن يتعدى لواحد لا لاثنين، بخلاف العلم الذي بمعنى الظن كما سبق.
يقول رحمه الله: (لعلم عرفان) أي: العلم الذي بمعنى المعرفة ينصب مفعولاً واحداً، مثال ذلك: تقول: علمت زيداً، بمعنى: عرفت، ومنه قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل:٧٨] أي: لا تعرفون شيئاً، ولهذا لم تنصب إلا مفعولاً واحداً.
وبكلام ابن مالك رحمه الله عرفنا أن العلم يأتي بمعنى المعرفة، وهو كذلك، لكن المعرفة تختص بالمحسوسات، وتكون بعد جهل، وتصلح للظن واليقين، ولهذا قال العلماء في العقيدة: لا يجوز أن يوصف الله بأنه عارف، ويجوز أن يوصف بأنه عالم؛ وذلك للفروق الثلاثة التي ذكرناها.
فإن قال قائل: كيف تقول: إنه لا يجوز أن يوصف الله بأنه عارف مع أنه جاء في الحديث الصحيح: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)؟ ف
الجواب
أن المعرفة هنا بمعنى العناية، أي: يعتني بك؛ وذلك لأنها لو كانت المعرفة هنا بمعنى العلم لكان الله يعلمه، سواء تعرف إليه أم لم يتعرف.
وكذلك (ظن تهمه) أي: الظن الذي بمعنى التهمة، تقول: ظننت زيداً، أي: اتهمت، ومنه قوله تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير:٢٤] أي: بمتهم.
وبهذا نعرف أن (علم) تأتي بمعنى (عرف) فلا تنصب إلا مفعولاً واحداً، وأن (ظن) تأتي بمعنى (اتهم) فلا تنصب إلا مفعولاً واحداً.
قال: (ولرأى الرؤيا انم ما لعلما طالب مفعولين من قبل انتمى) قوله: (لرأى الرؤيا) متعلق بقوله: (انم) أي: انصب.
وقوله: (طالبَ مفعولين) حال من علم.
قوله: (من قبلُ انتمى) أي: انتسب من قبل؛ لأنه ذكر علم العرفان، فاحتاج أن يقيد ما هنا بقوله: (من قبل) أي: (علم) الذي بمعنى الظن أو بمعنى اليقين، فهذه تنصب مفعولين، وكذلك (رأى) التي من الرؤيا في المنام تنصب مفعولين، قال الله تعالى في سورة يوسف: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف:٤].
وقال تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ} [يوسف:٤٣]، وتقول: رأيت في المنام رجلاً يأكل تمراً، هذه أيضاً حلمية.
قوله: (طالب مفعولين من قبل انتمى) أي: أنها تنصب مفعولين أحدهما المبتدأ والخبر؛ لأنه أحالنا على المفعولين اللذين تنصبهما علم اليقينية والظنية.