[كيفية صياغة الفعل الأجوف الثلاثي لما لم يسم فاعله]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [واكسر أو اشمم فا ثلاثي أعل عيناً وضم جا كبوع فاحتمل] ما زلنا مع المؤلف رحمه الله في كيفية صياغة الفعل إذا بني لما لم يسم فاعله، وقد سبق الكلام على جمل من ذلك، وهنا قال: (واكسر أو اشمم فا ثلاثي أعل عيناً وضم جا).
فهذه ثلاثة أوجه إذا كان الفعل ثلاثياً معل العين، ومعنى (معل العين) أن عينه حرف علة، والعين هي الثانية من تركيب الفعل؛ لأن الصرفيين اصطلحوا على أن يجعلوا (فَعَلَ) هي الميزان، فالفاء هي الفاء، والعين هي العين، واللام هي اللام.
يقول رحمه الله: إذا كان الفعل ثلاثياً وعينه حرف علة ففيه ثلاثة أوجه: الوجه الأول: الكسرة.
والوجه الثاني: الإشمام.
والوجه الثالث: الضم.
أي: الأول: كسر خالص، والثاني: ضم خالص، والثالث: إشمام أي: بين الضم الخالص والكسر الخالص، لكنه أشار رحمه الله بقوله: (فاحتمل) إلى أن الثالث ضعيف، لكنه احتمل لوروده في اللغة العربية.
قوله: (اكسر): فعل أمر.
أو اشمم: أو: للتخير، واشمم: فعل أمر.
فا: مفعول تنازع فيه اكسر واشمم، وإذا حدث تنازع فإن النحويين اختلفوا: هل يعمل فيه العامل الثاني لمباشرته أو الأول لسبقه؟ على قولين: قال ابن مالك: والثاني أولى عند أهل البصره واختار عكساً غيرهم ذا أسره وفا: مضاف، وثلاثي: مضاف إليه.
أُعل: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، ونائب الفاعل مستتر.
عيناً: مفعول ثان لأُعل، وأصلها أعللت عينه.
وضم: مبتدأ، جا: الجملة خبره.
وكبوع: جار ومجرور.
فاحتمل: معطوفة على (ضم جا)، واحتمل بمعنى: أنه أجيز.
مثاله: قال، فـ (قال) فعل ثلاثي معل العين بالواو؛ لأن (قال) أصلها: قَوَل، بدليل المضارع: يقول، إذا أردنا أن نبنيه لما لم يسم فاعله قلنا حسب القاعدة السابقة: قُوِلَ؛ لأن الماضي يضم أوله ويكسر ما قبل آخره، لكن هذا مستثقل؛ لأن ظهور الحركات على الواو ثقيل، فماذا نصنع؟ ننقل حركة الواو التي هي الكسرة إلى ما قبلها، فنقول: قِوْلَ، وهذا أيضاً مستثقل؛ أن تقع الواو بعد الكسرة، إذاً: حول الواو إلى ياء وقل: قيل.
ولا أظن بدوياً من العرب تحت شجرة يعرف هذا التصريف، ولو قلت له: حل لي هذه الكلمة على هذا التصريف، لقال: اذهب أنا لا أعرف إلا (قيل) بدل (قال)، لكن النحويين يريدون أن ينزلوا الألفاظ على القواعد المعروفة تمريناً للطالب، وإلا فمن المعلوم أنه لا يمكن لأحد أن يقول: قُوِلَ، ولا أن يقول: قِوْلَ، بل يقول: قيل، وبكل سهولة، فهذا الوجه الأول، كسرنا أوله كسراً خالصاً.
الوجه الثاني: الإشمام.
والإشمام: أن تأتي بحركة بين الكسرة والضمة، فتنطق القاف من (قيل) لا مضمومة ولا مكسورة، بل بحركة بينهما، والنطق بالإشمام أمر فيه صعوبة، وقد كان شيخنا عبد الرحمن بن السعدي رحمه الله يدرسنا في هذا الباب ولم نعرف كلنا لا نحن ولا هو؛ لأنه صعب جداً، لكن لعل العرب الذين ألفوا هذه اللهجة تسهل عليهم، ونحن هنا في المملكة في بعض الجهات يتكلمون بلهجة لا نستطيع أن نتكلم بها، وهي عندهم سهلة، وهذا شيء معروف.
الوجه الثالث: الضم الخالص، فنقول في (قيل): قُوْل، في (بيع): بُوْع.
مع أن (البيع) يائي: فلماذا كانت واواً؟ لأنها وقعت بعد ضم لا بد منه؛ إذ إن هذا الضم هو الذي يفرق بين البناء للفاعل والبناء لما لم يسم فاعله، فالضمة لا بد منها، ولا يناسبها إلا الواو، ولهذا نقول: بوع، ولا نقول: بُيع.
ففي (بوع) إذاً ثلاث لغات: الكسر الخالص، قيل: والإشمام، والضم الخالص: بوع.
وقوله: (وضم جا) أي: جاء من عند العرب، ومنه قول الشاعر: ليت وهل ينفع شيئاً ليتُ ليت شباباً بوع فاشتريتُ يعني: أن (ليت) لا تنفع، وهذا كقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ولا تقل: لو؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان).
وهذا الشاعر جاهلي يعرف أن التمني لا يفيد، وفي المثل العامي عندنا: التمني رأس مال المفاليس، أي: أن المفلس الذي ليس عنده شيء رأس ماله التمني.
المهم أن الشاعر قال: (بوع فاشتريت)، واللغة المشهورة: بيع فاشتريت، فكون الشاعر عدل من (بيع) إلى (بوع)، مع أن وزن البيت لا يختلف، يدل على أن هذه لغة، ولهذا قال: (ضم جا كبوع)، لكن هذه اللغة ضعيفة باعتبار اللغة الكثيرة الفصحى.
والخلاصة: أنه يجوز في الفعل الثلاثي المعل العين ثلاثة أوجه: الأول: الكسر الخالص، وهو الأكثر.
والثاني: الإشمام.
والثالث: الضم الخالص، وهو قليل.