[كلام ابن عقيل في شرح ما يتبع النعت فيه المنعوت]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [التوابع: النعت: يتبع في الإعراب الأسماء الأول نعت وتوكيد وعطف وبدل].
قال ابن عقيل: التابع هو الاسم المشارك لما قبله في إعرابه مطلقاً، فيدخل في قولك: (الاسم المشارك لما قبله في إعرابه) سائر التوابع وخبر المبتدأ، نحو: زيد قائم، وحال المنصوب، نحو: ضربت زيداً مجرداً، ويخرج بقولك: (مطلقاً) الخبر وحال المنصوب، فإنهما لا يشاركان ما قبلها في إعرابه مطلقاً، بل في بعض أحواله بخلاف التابع فإنه يشارك ما قبله في سائر أحواله من الإعراب، نحو: مررت بزيد الكريم، ورأيت زيداً الكريم، وجاء زيد الكريم، والتابع على خمسة أنواع: النعت والتوكيد وعطف البيان وعطف النسق والبدل.
فالتفت تابع متم ما سبق بوسمه أو وسم ما به اعتلق عرف النعت بأنه: التابع المكمل متبوعه ببيان صفة من صفاته نحو: مررت برجل كريم، أو من صفات ما تعلق به وهو سببيه نحو: مررت برجل كريم أبوه.
فقوله: (التابع) يشمل التوابع كلها، وقوله: (المكمل إلى آخره) مخرج لما عدا النعت من التوابع.
والنعت يكون للتخصيص نحو: مررت بزيد الخياط، وللمدح نحو: مررت بزيد الكريم، ومنه قوله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:١]، وللذم نحو: مررت بزيد الفاسق، ومنه قوله تعالى: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:٩٨]، وللترحم نحو: مررت بزيد المسكين، وللتأكيد نحو: أمس الدابر لا يعود، وقوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} [الحاقة:١٣]].
(واحدة) توكيد لنفخة؛ لأن الواحدة مفهومة من كلمة نفخة، ولكن مع ذلك لا نعربها توكيداً، إنما تعربها على أنها نعت، فصار النعت ينقسم إلى هذه الأقسام من حيث المعنى: التخصيص، والمدح، والذم، والترحم، والتوكيد.
والذي يدلنا على هذه المعاني السياق، فأحياناً تأتي كلمة واحدة تكون ذماً لشخص وتكون مدحاً لآخر، لكن السياق هو الذي يبين أن هذا النعت للمدح أو للذم وأنت إذا قلت: مررت بزيد المسكين أو أعط زيداً المسكين، لا شك أن المقصود بذلك الترحم.
قوله: أمس الدابر، المضي معلوم من كلمة أمس لأنها تدل على هذا المعنى، فالدابر يكون نعتاً، لكن مؤكد لأمس.
قال ابن مالك: [وليعط في التعريف والتنكير ما لما تلا كامرر بقوم كرما] قال ابن عقيل: [النعت يجب فيه أن يتبع ما قبله في إعرابه وتعريفه أو تنكيره].
لا يصلح أن يقول: (تعريفه وتنكيره) لأنه لا يمكن أن يكون معرفة نكرة، إنما المراد (في تعريفه أو تنكيره) وانظر إلى قوله تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [التحريم:٥].
فالواو هذه للتنويع: ((ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا))؛ لأنه لا يمكن أن تكون ثيباً بكراً، لكن الصفات السابقة يمكن أن توجد في امرأة واحدة.
قال ابن عقيل: [نحو: مررت بقوم كرماء، ومررت بزيد الكريم، فلا تنعت المعرفة بالنكرة، فلا تقول: مررت بزيد كريم ولا تنعت النكرة بالمعرفة فلا تقول: مررت برجل الكريم].
قوله: (مررت بزيد) هذا إذا أريد به العلمية، أي: شخص معين اسمه زيد، أما إذا أردت به مسمى زيد وأردت التنكير صح، بزيد كريم أي: بمسمى بهذا الاسم كريم، ونظير ذلك ما ذكروه في رمضان قالوا: إذا قصدت رمضان المعين فهو ممنوع من الصرف للعلمية، وإذا أردت غير معين فهو مصروف بالتنكير.
ولهذا يقول الفقهاء: (لا يجوز تأخير قضاء رمضان إلى ما بعد رمضانٍ آخر)، فرمضانٍ آخر نكرة.
أما إذا قلت: بزيد الذي هو زيد المعين، فزيد معرفة ولا يجوز نعته بالنكرة.
قال ابن مالك: [وهو لدى التوحيد والتذكير أو سواهما كالفعل فاقف ما قفوا].
قال ابن عقيل: [تقدم أن النعت لابد من مطابقته للمنعوت في الإعراب والتعريف أو التنكير، وأما مطابقته للمنعوت في التوحيد وغيره وهي التثنية والجمع، والتذكير وغيره وهو التأنيث؛ فحكمه فيها حكم الفعل، فإن رفع ضميراً مستتراً طابق المنعوت مطلقاً نحو: زيد رجل حسن، والزيدان رجلان حسنان، والزيدون رجال حسنون، وهند امرأة حسنة، والهندان امرأتان حسنتان، والهندات نساء حسنات، فيطابق في التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع كما يطابق الفعل لو جئت مكان النعت بفعل فقلت: رجل حَسُن، ورجلان حَسُنا، ورجال حسنوا، وامرأة حَسُنت، وامرأتان حسنتا، ونساء حَسُنَّ].
وإن رفع -أي النعت- اسماً ظاهراً كان بالنسبة إلى التذكير والتأنيث على حسب ذلك الظاهر، وأما في التثنية والجمع فيكون مفرداً، فيجري مجرى الفعل إذا رفع ظاهراً فتقول: مررت برجل حسنة أمه، كما تقول: حسنت أمه، وبامرأتين حسن أبواهما، وبرجال حسن آباؤهم، كما تقول: حسن أبواهما، وحسن أباؤهم.
فالحاصل أن النعت إذا رفع ضميراً طابق المنعوت في أربعة من عشرة: واحد من ألقاب الإعراب، وهي الرفع والنصب والجر.
وواحد من التعريف والتنكير.
وواحد من التذكير والتأنيث.
وواحد من الإفراد والتثنية والجمع وإذا رفع ظاهراً طابقه في اثنين من خمسة: واحد من ألقاب الإعراب.
وواحد من التعريف والتنكير.
وأما الخمسة الباقية وهي التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع فحكمه فيها حكم الفعل إذا رفع ظاهراً، فإن أسند إلى مؤنث أنث وإن كان المنعوت مذكراً، وإن أسند إلى مذكر ذكر وإن كان المنعوت مؤنثاً، وإن أسند إلى مفرد أو مثنى أو مجموع أفرد وإن كان المنعوت بخلاف ذلك].
تقول: مررت بامرأتين حسنٍ أبوهما لأن النعت السببي يجري مجرى الفعل، مادام رفع ظاهراً فيكون مفرداً مذكراً.
وتقول: مررت برجال حسنٍ آباؤهم.