[ما يلزم إذا وقع المخصوص بالمدح أو الذم بعد ذا]
قال: [وأول ذا المخصوص أياً كان لا تعدل بذا فهو يضاهي المثلا].
قوله (أول): فعل أمر.
و (ذا): مفعول أول لـ (أول).
والمخصوص: مفعول ثان.
يعني: اجعل المخصوص يلي ذا أياً كان حتى لو كان جمعاً أو مثنى، فتبقى (ذا) على ما هي عليه، تقول: حبذا القوم، حبذا الرجلان، وحبذا الرجال، ولا تقول: حب هؤلاء، ولهذا قال: (أياً كان لا تعدل بذا).
وإعراب (أياً): خبر كان مقدماً، واسم كان ضمير مستتر، يعني: أياً كان المخصوص فلا تعدل بذا.
ومعنى (لا تعدل بذا) أي: لا تأت عنها بعديل لها أو بديل لها، بل تبقى على ما هي عليه.
وقوله: (يضاهي المثلا)، أي: هذا التركيب يشابه المثل، وقد قيل: إن الأمثال لا تغير.
فإذا قيل: من يحفظ ألفية ابن مالك فله ألف ريال، وبعد انتهاء المدة المقررة جاء شخص وقال: أنا حفظتها، فأقول له: الصيف ضيعتِ اللبن! فضيعتِ بالكسرة، ولو كان المخاطب رجلاً؛ لأن هذا مثل، والأمثال تبقى على لفظها، وهذه قاعدة معروفة عند أهل العلم بالعربية.
قال المؤلف رحمه الله: [وما سوى ذا ارفع بحب أو فجر بالبا ودون ذا انضمام الحا كثر].
قوله: (ما سوى ذا) يعني: إذا كان فاعل حب سوى ذا وأنت تريد المدح، فارفع، أو جر بالباء، يعني: إما أن ترفعه، وإما أن تجره بالباء، فتقول: حب زيد، أو حب بزيد.
فقول ابن مالك: (وما سوى ذا) يعني: أنه إذا جاء فاعل لحب سوى ذا، فارفعه بحب، أو فجر بالباء.
وقول المؤلف: (أو فجر) (أو) حرف عطف، ومعناه التخيير، يعني: أنك مخير بين أن ترفعه بحب أو تجره بالباء.
و (الفاء) في قوله: (فجر) زائدة؛ لأن الحروف العاطفة لا تتداخل، فلا تقول: جاء زيد وثم عمرو، فحرف العطف لا يدخل على حرف العطف.
ولكن يجوز أن تكون الفاء رابطة جواباً لشرط مقدم تقديره: أو إن لم ترفع فجر، وعلى هذا فتكون الفاء رابطة للجواب المحذوف شرطه.
وقوله: (فجر بالبا ودون ذا انضمام الحا كثر).
(انضمام): مبتدأ، وهو مضاف و (الحاء) مضاف إليه.
و (كثر): فعل ماض، والجملة خبر المبتدأ.
و (دون ذا) متعلق بكثر.
أي: وانضمام الحاء كثر دون ذا في حبذا، يعني: أنك تقول: حَبذا بالفتح، وتقول: حُب زيد أو حُب بزيد.
وخلاصة الكلام: أن (حب) يؤتى بها لإنشاء المدح كما يؤتى بنعم، ولكن إن كان فاعلها (ذا) فهي بفتح الحاء، وإن كان فاعلها غير ذا فهي على الأكثر بضم الحاء.
ثم نقول: إن كان فاعلها ذا؛ فإنه لا يجر بالباء، وإن كان فاعلها غير ذا جاز جره بالباء، فإذا قلنا: حب بزيد؛ فنقول: حُب: فعل ماض مبني على الفتح، وهو مبني للفاعل؛ لأن حُبّ في هذا المكان أصله حَبُبَ، لكن نقلت الضمة إلى الحاء على غير القاعدة التصريفية، فلما نقلت الضمة من الباء صارت ساكنة، وبعدها باء متحرك من جنسها فتدغم فيها، ولهذا قلنا: حُبَّ.
فإذا قلت: حُبّ بزيد، (حب) فعل ماض مبني للفاعل، فهذا إناء للمدح.
لكن لو أردت أن تخبر عن زيد بأنه محبوب فقلت: حُبَّ زيد، فتعرب (حب): فعلاً ماضياً مبنياً للمجهول؛ لأنك تريد أن تخبر بأنه محبوب لا أن تنشئ الثناء عليه بحب، فبينهما فرق، وهذا من دقائق اللغة لا يفهمه إلا إنسان يفهم المعاني.
لكن إذا قلت: حب بزيد، فلا يجوز أن يكون نائب فاعل بكل حال، إنما المراد به إنشاء المدح؛ لأن الباء منعت أن يكون زيد نائب فاعل.