[شرح الصلاة على النبي وآله]
قوله: (مصلياً على النبي المصطفى): مصلياً: حال من فاعل (أَحمدُ)، يعني: أحمد الله حال كوني مصلياً على النبي، أي سائلاً الله عز وجل أن يصلي عليه.
وصلاة الله على نبيه هي: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى.
وليست الصلاة من الله هي الرحمة كما زعمه بعض العلماء، بل الصلاة أخص من الرحمة، والدليل على التباين بينهما قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة:١٥٧]، والأصل في العطف المغايرة.
ولو كانت الصلاة هي الرحمة لجاز أن نصلي على كل واحد كما جاز أن نترحم على كل واحد، ومعروف أن الصلاة على غير الأنبياء لا تجوز إلا تبعاً أو لسبب.
فالصلاة تبعاً كما في قوله: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.
والصلاة لسبب كما في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة:١٠٣]، وأما أن تتخذ شعاراً لشخص معين سوى الأنبياء فإن ذلك لا يجوز.
وقوله: (على النبي): النبي: قيل إنه من النبيء بالهمز، لكنه سهل، وجعلت الهمزة ياء وأدغمت في الياء الأولى، وإنه مأخوذ من النبأ وهو الخبر؛ لأن النبي منبَّأ منبِّئ فهو منبأ من قبل الله، ومنبئ للخلق عن الله.
وقيل: إن النبي ليس فيه تسهيل، وإنه مأخوذ من النبوة وهي الارتفاع، وذلك لارتفاع رتبة النبي.
والصحيح أنه مأخوذ من هذا ومن هذا، فهو لفظ مشترك بين المعنيين، والوصفان صالحان للنبي، فهو عليه الصلاة والسلام منبئ ومنبأ وعالي الرتبة.
وقوله: (المصطفى): يعني المختار، أي المختار من الأنبياء؛ لأن الأنبياء مختارون من المؤمنين، والأنبياء أنفسهم منهم من اختاره الله مثل أولي العزم الخمسة: محمد صلى الله عليه وسلم، وإبراهيم، وموسى، ونوح، وعيسى، وهم مذكورون في كتاب الله في موضعين: في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب:٧]، وفي قوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:١٣] فهو صلى الله عليه وسلم من المصطفين.
والمصطفى تصريفها في الأصل: أن الطاء أصلها تاء (المصتفى)، لكن القاعدة في اللغة العربية أنه إذا اجتمعت التاء والصاد قلبت التاء طاء، وهو مأخوذ من الصفوة.
قوله: (وآله المستكملين الشُرفا): ويجوز: (الشَرفا).
فإن قلنا (الشُرفا) صارت صفة لآل، وإن قلنا (الشَرفا) صارت مفعولاً به للمستكملين، أي: الذين استكملوا الشرف.
(وآله) هنا أتباعه على دينه؛ لأن الآل على القول الراجح إن قرنت بالأتباع فالمراد بها المؤمنون من قرابته، وإن أفردت فالمراد بها أتباعه على دينه.
ففي قوله: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، المراد أتباعه على دينه.
وفي قول القائل: اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه، المراد المؤمنون من قرابته، هذا هو الصحيح، ولا يتم المعنى إلا بذلك، وأما من حمل الآل على الأتباع مطلقاً أو على المؤمنين من أقاربه مطلقاً ففي قوله نظر.
وقوله: (المستكملين الشرفا) يعني الذين أكملوا الشرف في أخلاقهم وفي عباداتهم وفي معاملاتهم، فإن الشرف والسيادة يكون لأتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كانوا من قرابته نالوا شرفين: شرف الإيمان وشرف النسب والقرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.