للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المواضع التي يترجح فيها نصب الاسم المشتغل عنه]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [واختير نصب قبل فعل ذي طلب وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب وبعد عاطف بلا فصل على معمول فعل مستقر أولا] سبق أن المشتغل عنه تجري فيه الأحكام الخمسة بالنسبة للرفع والنصب: الأول: ما يجب فيه الرفع.

الثاني: ما يجب فيه النصب.

الثالث: ما يترجح فيه الرفع.

الرابع: ما يترجح فيه النصب.

الخامس: ما يستوي فيه الأمران الرفع والنصب.

وسبق وجوب النصب ووجوب الرفع، وهنا ذكر المؤلف رحمه الله ترجيح النصب على الرفع.

قوله: (واختير نصب قبل فعل ذي طلب).

اختير: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، والذي اختار ذلك هم العرب؛ لأن الذي يصوغ الكلام على الوجه العربي هم العرب، إذاً: فالعرب إذا جاء المشغول عنه قبل فعل ذي طلب قالوه بوجهين: بالرفع وبالنصب، ولكنهم يرجحون النصب.

مثاله: زيداً اضربه، ضيفَكَ أَكْرمه، ويجوز أن يقال: ضيفُك أكرمه، وزيدٌ اضربه.

وقوله: (ذي طلب) يشمل ما وقع بلفظ الأمر وما وقع بلفظ النهي.

ومثال النهي: النمامَ لا تطعه، بالنصب، ويجوز: النمامُ لا تطعه، بالرفع، لكن المرجح هو النصب.

قوله: (اختير): فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله.

نصب: نائب فاعل.

قبل: ظرف متعلق باختير، وهو مضاف إلى (فعل).

ذي طلب: ذي: صفة لـ (فعل) مجرورة بالياء؛ لأنها من الأسماء الخمسة، وذي: مضاف، وطلب: مضاف إليه.

قوله: (وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب): وبعد: ظرف متعلق باختير، أي: واختير نصب بعد ما إيلاؤه الفعل غلب، أي: بعد الذي غلب إيلاؤه الفعل.

ما: اسم موصول، وهو في محل جر لأنه مضاف إليه.

إيلاء: مبتدأ، وهو مضاف للضمير.

الفعل: مفعول به مقدم منصوب، والذي نصبه (إيلاء)؛ لأن التقدير: وبعد ما غلب إيلاؤه الفعل، فالفعل على هذا يكون منصوباً بإيلاء.

غلب: فعل ماض وفاعله ضمير مستتر يعود على إيلاء.

قوله: (وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب): هذا هو الموضع الثاني، وهو: إذا وقع الاسم المشغول عنه بعد أداة أو عامل يغلب أن يليه فعل فإنه يختار النصب، ومثلوا لذلك بهمزة الاستفهام، تقول: أزيداً لقيته؟ ويجوز: أزيدٌ لقيته؟ لكن المرجح هو النصب، ووجه الترجيح: أن هذه الأداة لا يليها إلا فعل، فصار تقدير الفعل بعدها ليتسلط على المشغول عنه أولى من كونه مرفوعاً بالابتداء.

إذاً: الموضع الثاني مما يترجح فيه النصب: إذا وقع الاسم المشغول عنه بعد أداة يغلب أن يليها فعل، مثل همزة الاستفهام.

الموضع الثالث: قال: [وبعد عاطف بلا فصل على معمول فعل مستقر أولا] أي: وإذا وقع الاسم المشغول عنه بعد عاطف على مفعولِ فعلٍ مستقر أولاً، فإنه يترجح النصب.

قوله: (وبعد): الواو: حرف عطف، بعد: ظرف منصوب على الظرفية بالفتحة الظاهرة، وهو مضاف إلى: عاطف.

بلا فصل: جار ومجرور، لكن نعرب (بلا فصل) بالتفصيل فنقول: الباء: حرف جر.

لا: حرف لا يمكن أن يقع عليه الإعراب فنقل إعرابه إلى ما بعده، ولهذا لا نقول: إن (لا) مضافة إلى فصل، بل نقول: إن العمل تعداها إلى ما بعدها؛ لأنها حرف لا يتسلط عليه العامل.

وقال بعض المعربين: إن (لا) هنا بمعنى (غير)، وعلى هذا فتكون الباء حرف جر، و (لا) اسم مجرور اعتباراً بمعناها، مبنية على السكون في محل جر، وتكون مضافة إلى (فصل)، وهذا يرد كثيراً في كلام القدامى.

وقوله: (على معمول فعل)، على: حرف جر.

معمول: اسم مجرور بعلى، وهو متعلق بعاطف، ومعمول: مضاف وفعل: مضاف إليه.

مستقر: صفة لفعل.

أولاً: ظرف مكان، ويجوز أن يكون ظرف زمان.

والمعنى: إذا وقع الاسم المشغول عنه بعد حرف عطفٍ على معمول فعل سابق فإنه يترجح النصب.

مثال ذلك: ضربتُ زيداً وعمراً أكرمته، ويجوز: وعمرو أكرمته، ولكن الراجح: وعمراً أكرمته؛ لأنك إذا نصبته فقد جعلت الجملة فعلية، وهي أنسب للجملة التي سبقتها؛ لأن الجملة التي سبقتها فعلية، ولهذا نقول: إنك إذا قلت: جاء زيدٌ وعمرو أكرمته، فهذا جائز، لكن الأولى وعمراً أكرمته؛ لأن عطف الجملة الفعلية على الجملة الفعلية أولى من عطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية؛ للتناسب.

وقوله: (بلا فصل) احترازاً مما لو فصل، مثل أن تقول: قدم زيدٌ وأما عمرو فحبسه العدو، فهنا نقول: (عمرو) لا تكون معطوفة على ما سبق؛ لوجود الفصل بـ (بأما)، فلا تصح الجملة معطوفة على ما سبق لوجود الفصل، وهذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (بلا فصل).