[أفعل التفضيل المجرد أو المضاف إلى نكرة يلزم الإفراد والتذكير]
ثم قال: [وأفعل التفضيل صله أبداً تقديراً أو لفظاً بمن إن جردا وإن لمنكور يضف أو جردا ألزم تذكيراً وأن يوحدا] الأحسن في قوله: (بمن) من حيث الإملاء أن تكتب الباء وحدها، و (من) وحدها والسبب: أن (من) حرف مستقل، يعني: بهذا الحرف.
وقوله: (أفعلَ التفضيل)، أفعل: منصوب بفعل محذوف يفسره ما بعده، وهذا من باب الاشتغال، وهذا النصب راجح.
يقول المؤلف: إذا جرد اسم التفضيل من (أل) فلابد أن يتصل به (من) لفظاً أو تقديراً، فتقول: زيد أفضل من عمرو، وكذلك يلزم اسم التفضيل المجرد من (أل) الإفراد والتذكير، وكذلك المضاف إلى نكرة فتقول: زيد أفضل رجل هنا، وهند أفضل امرأة هنا، مع أن هنداً مؤنث، وأفضل مذكر، لكنه مضاف إلى نكرة.
والزيدان أفضل رجلين هنا.
والزيدون أفضل قوم هنا والهندان -يعني: امرأتين اثنتين- أفضل امرأتين هنا.
وكذلك: الهندات أفضل نساء هنا.
فالقاعدة هنا: أنه إذا جرد اسم التفضيل من (أل)، أو أضيف إلى نكرة لزم فيه أمران وهما: الإفراد والتذكير.
ولذا قال ابن مالك: [وإن لمنكور يضف أو جردا ألزم تذكيرا وأن يوحدا].
قال ابن مالك: [وتلو أل طبق وما لمعرفه أضيف ذو وجهين عن ذي معرفة].
يعني: أن المعرف بأل يكون طبق الموصوف، أو المخبر عنه؛ فتقول: زيد هو الأفضل، وهند هي الفضلى، والزيدان هما الأفضلان، والهندان هما الفضليان، والهندات هن الفضليات.
فالمحلى بأل من اسم التفضل حكمه أن يطابق الموصوف -سواء كان خبراً أو استفهاماً- في كل حال: مذكراً كان أو مؤنثاً، مثنىً أو مفرداً أو مجموعاً.
ثم قال: (وما لمعرفه أضيف ذو وجهين عن ذي معرفه)، أي: ما أضيف لمعرفة فإنه ذو وجهين، بمعنى: يجوز فيه المطابقة، وعدم المطابقة، فتقول: هند فضلى النساء، وهند أفضل النساء، فالأول مطابق، والثاني غير مطابق.
وكذلك تقول: الزيدان أفضل الرجال، غير مطابق.
والزيدان أفضلا الرجال، مطابق.
إذاً: إذا أضيف لمعرفة جاز فيه الوجهان وهما: المطابقة، وعدمها، وهو الإفراد والتذكير.
فصار اسم التفضيل الآن لا يخلو من الأحوال التالية: الأول: أن يكون مجرداً من أل والإضافة، أو مضافاً إلى نكرة، فالواجب فيه الإفراد والتذكير.
الثاني: أن يكون محلى بأل، فيجب فيه المطابقة.
الثالث: أن يضاف لمعرفة، فيجوز فيه الوجهان.
قال ابن مالك: [هذا إذا نويت معنى مِنْ وإن لم تنو فهو طبق ما به قرن].
معنى (طبق) أي: مطابق لموصوفه أو ما كان خبراً عنه، أقول مثلاً: هذا الرجل الأفضل، وهذه المرأة الفضلى.
وهذان الرجلان الأفضلان، وهاتان المرأتان الفضليان.
وهؤلاء الرجال الأفضلون، وهؤلاء النساء الفضليات.
فما كان فيه (أل) فهو طبق بكل حال.
والمضاف إلى معرفة من أسماء التفضيل يجوز فيه وجهان: أحدهما: المطابقة، الثاني: عدم المطابقة وهو الإفراد، مثال ذلك تقول: محمد رسول الله أفضل الأنبياء، فاطمة فضلى نساء العالمين نسباً.
وتقول: الزيدان أفضل الرجال، أو أفضلا الرجال، وطلبة العلم أفضل طلبة في الدنيا.
لكن شرط المؤلف في هذا أنه إذا نويت معنى (من)، وإن لم تنو معنى (من) فهو طبق ما به قرن.
فإذا نويت معنى (من) يجوز الوجهان، وإن لم تنو معنى (من) فإنه يجب المطابقة.
فأنت إذا قلت: محمد رسول الله أفضل الأنبياء، معلوم أنك نويت معنى (من) أي: أفضل من جميع الأنبياء، وطلبة العلم الشرعي من جميع الطلبة في الدنيا.
فإن لم تنو معنى (من) وإنما نويت مطلق الفضل؛ فإنه يجب أن يكون مطابقاً لما اقترن به، فتقول مثلاً: فلان أعدل الناس، وما قصدك أنه أعدل من جميع الناس، لكنه قصدك أنه حاز قصب الفضل بالعدل.
وتقول: زيد وعمرو أعدلا بني فلان، فهنا ليس المقصود أعدل من بني فلان، فهذا لا يصح؛ لأنهما من بني فلان، لكن قصدك أنهما عادلا بني فلان.
ومنه قولهم: الأشج والناقص أعدلا بني مروان، فالأشج عمر بن عبد العزيز، والناقص يزيد بن معاوية، وسمي ناقصاً لأنه كان مقتصداً في العطايا.
والناس لا يسلم منهم أحد، إن أكثر العطاء قالوا: مبذر، وإن اقتصد قالوا: ناقص.
والمقصود أنهما عدلان، لا أنهما أعدل من جميع الناس، أو أعدل من كل بني مروان.